قمة القمم .. الحكمة تنتصر
احمد حمد الحسبان
22-07-2021 12:39 AM
لم تكن قمة واشنطن التاريخية التي جمعت بين جلالة الملك عبدالله الثاني والرئيس الأميركي جو بايدن حاجة أردنية أو أميركية فقط. وإنما حاجة لطرفين كانا الأشد تأثرا بحقبة صنفها سياسيون بأنها بعيدة عن الحكمة، وأنها خارجة عن كثير من الضوابط التي كرست الولايات المتحدة في موقع الزعامة للعالم، وتلك التي تميزت بها العلاقات بين الدولتين.
فحتى الخلافات التاريخية حول الملف الفلسطيني، والانحياز الأميركي لصالح إسرائيل، كان محكوما ـ نسبيا ـ بضوابط أفرزتها الشرعية الدولية. قبل أن تتخلى الإدارة الأميركية السابقة عن تلك الضوابط، وفي مقدمتها مسألة حل الدولتين، والوصاية الهاشمية على المقدسات.
فقد كشفت الإدارة الأميركية الجديدة عن حاجتها لإعادة التحالف مع الأردن وقيادته الهاشمية باعتباره أبرز القوى الفاعلة، والوازنة في المنطقة، سعيا لإصلاح ذلك الخلل، وطي صفحة كان التنكر للدور الأردني، ولضوابط الشرعية الدولية أبرز عناوينها.
وهذا ما يراه المحللون طيا لصفحة سوداء، عنونت باسم «صفقة القرن»، وطيا لشخوصها الذين ترجموا الملف منفردين، وتعاملوا معه من منظور اقتصادي، وحاولوا التصرف نيابة عن أصحاب القضية.
الحاجة الأميركية بدت واضحة من خلال الترحيب الرسمي بزيارة جلالة الملك ترافقه جلالة الملكة رانيا، وسمو ولي العهد الأمير حسين بن عبدالله الثاني. ودلالة على ذلك، توالت التصريحات الرسمية التي تؤكد تلك الفرضية، وتؤشر على أن البيت الأبيض ينتظر اللقاء، وتذكر بالعلاقات المتميزة بين البلدين، وأن القمة «تسلط الضوء على الشراكة الدائمة والاستراتيجية بين الولايات المتحدة والأردن».
مباحثات جلالة الملك مع الرئيس بايدن، كانت معمقة ومثمرة، وامتدت إلى مختلف المجالات الثنائية والإقليمية. حيث التزم الرئيس بدعم الاردن اقتصاديا، ومساعدته في مكافحة وباء كورونا. كما التزم بتجديد واستمرار الشراكة الاستراتيجية معه.
وقد بدا واضحا أن لدى الرئاسة الأميركية الجديدة الرغبة الصادقة للاستعانة بحكمة وخبرة جلالته في شؤون المنطقة. ذلك أن العديد من الملفات لم تكن غائبة عن أجندة اللقاء. ومن تلك الملفات ما يمكن أن يعيد صياغة المنطقة. فبالإضافة إلى الملف الفلسطيني الذي لن يكون بعيدا عن حل الدولتين، ومنها الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران 1967، وعاصمتها القدس الشرقية. هناك ملفات أخرى يبدي جلالة الملك اهتماما بها، ويرى أنها ركائز أساسية في انعاش المنطقة ووضع حد لمعاناة العديد من الدول المتضررة منها.
ومن تلك الملفات، موضوع العراق، الذي يطرحه جلالته من بوابة «الشام الجديد» وعلى شكل سلسلة من التحالفات والاتفاقات الاقتصادية التي تخدم كلا من الأردن ومصر والعراق. وتنعكس إيجاباً على الملفين الأمني والاقتصادي للعراق. كما ستنعكس اقتصاديا على كل من الأردن ومصر. وتمتد تأثيراتها الإيجابية على كافة دول المنطقة.
ومنها أيضا، الملف السوري، بتداعياته الأخيرة، وعلى رأسها قانون قيصر، الذي يمكن أن ينعكس تطبيقه سلبا على العديد من دول الجوار، ومنها الأردن. كما ينعكس سلبا على الشعب السوري الذي ينتظر إعادة الاعمار من أجل العودة، وطي ملف اللاجئين وتبعاته على العديد من دول العالم.
القمة كانت متميزة من حيث مجرياتها، ومخرجاتها، وتؤشر ـ محليا ـ على الدعم والإسناد للأردن سياسيا واقتصاديا، ودورا فاعلا في المنطقة. كما تؤشر على مشروع لإعادة الدور الأميركي في المنطقة، ولكن بأسلوب وطريقة مختلفة.
فمع أن أي دور للولايات المتحدة لا بد وأن يأخذ بعين الاعتبار المصالح المشتركة، لكنه ـ هذه المرة ـ سيكون أكثر توازنا، وأقل انحيازا. بحيث لا يغفل قضايا ومتطلبات المنطقة. ويأخذ بعين الاعتبار ما يتميز به الأردن وقيادته من ميزات لا يمكن الاستغناء عنها.
وبحسب التسريبات من العاصمة واشنطن، فإن القمة التي تناولت الكثير من ملفات التعاون الثنائي، والمتطلبات الأردنية ما هي إلا مفاتيح جرى تحريكها، لكنها تنتظر ما تقوم به الحكومة من أجل ترسيم مجالات التعاون وبخاصة في شقه المحلي، وعلى رأسه المجال الاقتصادي الذي يحتل الأولوية بالنسبة لنا، ولا يجد المعارضة بالنسبة للطرف الاخر.
الرأي