الوطن لجميع مواطنيه الذين ولدوا فيه او عاشوا على أرضه واكلوا من خيراته وتمتعوا بنعيمه فهو حاضنة عامة وليست خاصة يعطي ويعطى ويمنح ويمنح. ويتجلى الانتماء اليه بمفهوم واسع يتضمن الحفاظ عليه والاخلاص اليه وعدم التقوقع على الذات او النظر اليه بمنظور ضيق في إطار الأسرة او العشيرة.

فحينما يكلف الإنسان بعمل او يمارس نشاطا او يتولى مسؤولية عامة او يرعى مؤسسة معينة فإنه ينبغي أن لا يحصر تفكيره في مصلحته الذاتية او مصالح أقاربه او أصدقائه او عشيرته وإنما يعد نفسه راعيا للوطن وممثلا لمصلحته العليا اولا وهذا يتطلب النزاهة والاستقامة والموضوعية وعدم المساومة على الاهداف والمثل العليا.

وحينما يمارس نشاطا سياسيا كالمشاركة في الانتخابات النيابية مثلا فإنه ينبغي أن ينظر إلى نفسه كناخب وكمرشح للوطن وليس اسيرا لعشيرته او مصالحه الخاصة او نزواته وإنما تكون نظرته شمولية تراعي مصالح الوطن كجسم واحد أو كتلة واحدة لا تتجرأ.

الانتماء للعشيرة وصلات القربى تمثل ظاهرة اجتماعية وليست سياسية ففي الوقت الذي يتعاطف أبناء العشيرة مع اقرانهم في الأفراح والأتراح والعون والمساعدة ينبغي أن لا يكون ذلك على حساب الوطن وحينما يدلي الناخب بصوته عليه أن يتوخى المصلحة العامة وليس صلاة القربى ورابطة الدم. ولهذا فإن الاحزاب السياسية مدعوة اليوم لتعزيز فكر الانتماء السياسي الحقيقي الذي يراعي القيم والمنظومة الأخلاقية وتعزيز حب الوطن والعمل من أجله من خلال برامجها السياسية والاقتصادية والاجتماعية بعيدا عن الهوى وحب الذات.

الوطن ينبغي أن يكون دائرة انتخابية واحدة ومرشحوها هم مرشحو الوطن وبرامجهم هي برامج احزابهم السياسية وعندها ستجد ان مخرجات العملية الانتخابية ستأتي لنا بنواب وطن اقوياء يعملون لمصلحة الوطن بإرادة حرة ويمثلون نمطا قويا للمشاركة الفاعلة في التشريع والرقابة والمواقف العامة.

وعندها لن تهدر طاقات الوطن ومقدراته وإنما تكون محمية بعزيمة أبنائه الذين يمثلون الوطن أصدق تمثيل.