إن كان الفنان كاظم الساهر الملوع بالعشق ودوخانه مقسوماً إلى نصفين: نصفاً ثلجاً ، ونصفاً ناراً ، فلا ثلجه يبرد ناره ، ولا ناره تطفئ ثلجه ، فنحن كذلك الآن ، قد يكون الواحد فينا مشطوراً شطرين: شطراً باكياً ، وشطراً ضاحكاً. ولا هذا يسكت ذاك ، ولا ذلك يطفىء هذا.
انتعش نصفنا الضاحك صباح أول أمس ، بعد بيان صحفي مقتضب صادر عن أمانة عمان ، يعلن فيه أمين عمان أن دائرة الانتاج في أمانة عمان تصنع يومياً ما بين خمسين إلى ستين غطاء مُنهل: لتعويض بدل فاقد ، جراء تعرضها للسرقة المتكررة والمستمرة.
ولهذا ضحكنا ملء الفم ضحكاً أمرّ من حنظل وعلقم ، وتساءلنا بغضب: أيعقل أن ترك عصابات سرقة المناهل والكوابل والأسلاك هكذا دون عقاب ، وأن لا تقع في قبضة العدالة رغم أمد هذه الظاهرة؟، ، أيعقل أن ندعهم يرتعون في هذا العز ونمدهم يومياً بذات العدد المسروق من المناهل: لنقيم أود شرههم وجشعهم؟،. لماذا لا نضرب بحديد هذه العصابات ونجتثها؟،.
فليس صعباً أن تكشف هذه العصابات المتخصصة ، فلربما نمسك بخيط يقودنا إليهم عن طريق المصانع التي تشتري هذه البضائع وتعيد صهرها تصنيعها وبيعها. ثم لماذا نعالج المرض بهذه الطريقة الموحية ، بأننا نقول لهم استمروا ، فلماذا لا نفويت الفرصة عليهم: حتى لو خصصنا حارسا لكل شارع يحمي مناهله.
أما شطرنا الباكي: فيمطرنا ببكاء مراً ، فقد حضرت مساء أول أمس الأمسية الثقافية التي أقامتها المكتبة الوطنيبة للزميل مفلح العدوان ، لتسليط الضوء على كتابه الثري (بوح القرى) ، وخلال الحوار أفصح الكاتب عن اسم قرية زارها في البادية الشمالية لم يصلها الماء حتى هذه الساعة.
هذا الحرمان جاء على سبيل العقاب ، فقبل سنوات نوى أحد المسؤولين زيارة المنطقة ، فمدت أنابيب المياه بسرعة إلى القرية ، لتبدو أنها مقبلة على وصول الماء ، وبعد أيام عادت السلطة لإكمال التمديد ، فوجدت الأنابيب مسروقة: فدفعت القرية ثمناً لهذه السرقة: أن بقيت بلا ماء حتى اليوم.
في كل زمن سيكون سهلاً أن تصدق حال العشاق بثلجهم ونارهم ، لكن في زمن متناقضاتنا: ستكون حالنا أكثر تصديقاً ، إذ نحيا في بكاء وضحك ممتزجين ، لا هذا يسكت هذا ، ولا ذاك يطفئ هذا. نصي ثلج نصي نار ، أو نصفي ضحك ، نصفي بكاء،.
ramzi279@hotmail.com
(الدستور)