مهما تغيرت الوجوه، وتبدلت القيادات، وكثرت المشاريع، تبقى الاستراتيجية الإسرائيلية تجاه الأقصى ثابتة؛ فهم يضعونه هدفا عقائديا لهم، ورغم انفتاح عرب كثر عليهم ومسلمون أيضا، لم يشفع هذا الانفتاح للقدس والأقصى عند الإسرائيليين، فالقدم الهمجية تحاول دوما تدنيس الحرم وإرسال الرسائل للعرب والمسلمين والعالم أنه من حقهم هم وأنه من أملاكهم، ورغم كل القرارات الدولية التي تعتبر القدس أرضًا محتلة، إلا أن الإسرائيليين يضربون بعرض الحائط كل هذه القرارات وتلك القوانين، ويصرون أن القدس وعدهم، حتى فكرة التقسيم أو التدويل يرفضونها لأنها كما يقولون تمس عقيدتهم !!!
اليوم، الأقصى يواجه أشرس هجمة إسرائيلية عليه، يتصدرها المستوطنون المتطرفون الذي يصرون على اقتحامه يوميا تحت حراب جنود الاحتلال، ولا يواجههم أحد على الأرض إلا أبناء القدس، وظهورهم مكشوفة، يخوضون معهم معركة مستمرة، وإن لم تكن متكافئة في العدة والعدد، إلا أن هؤلاء الشباب يتفوقون على عدوهم بالإيمان والقوة والصبر والصلابة ويقينهم المطلق بالتحرير، وينوبون عن الأمة بكاملها على الأرض بتثبيت حقها في القدس والأقصى، معتبرين أن الدفاع عن المقدسات في القدس هو دفاع عن شرفهم وكرامتهم، ولتظل شعلة الجهاد والمقاومة على الأرض المقدسة مشتعلة تذكر المحتلين أن لهذه الأرض أصحاب شرعيين لن يتنازلوا عنها مهما تعاقبت الأجيال ودارت الدهور والعقود.
أبناء القدس منذ ان وقعت مدينتهم في الأسر وهم في حالة جهاد ومقاومة وصمود للوقوف في وجه محاولات إسرائيل لتغيير الأمر الواقع على الأرض تاريخيا ودينيا، وإخفاء هوية القدس العربية الإسلامية، والأخطر من ذلك، تغيير عنوانها الأبدي أنها مدينة السلام. لقد حول الإسرائيليون القدس الى ساحات حرب بعد أن كانت ساحة سلام لكل عباد الله. وإن كان واقع الحال وصل بالقدس والقضية الفلسطينية برمتها إلى ما وصل إليه نتيجة تراكمات كثيرة، فإن الأمر لم يقف عند الإساءة للمقدسات الإسلامية في القدس فقط، بل تجاوزها إلى المقدسات المسيحية التي عانت من إسرائيل ظلما ليس له حدود، لذلك، فإن أبناء القدس عندما ينفرون في وجه الحراب الإسرائيلية، فإنهم يدافعون عن كل المقدسات سواء كانت إسلامية أو مسيحية، وهذا يدعو العالم كله، وليس العرب والمسلمين فقط إلى دعمهم ومساندتهم وإنصافهم.
وفي هذه الأيام المباركة العظيمة في عقيدة الأمة يصر المتطرفون الصهاينة على اقتحام الأقصى واستفزاز مشاعر المسلمين وتحويل ساحاته إلى ساحات صدام بينهم وبين المرابطين في الحرم الشريف، ضاربين بعرض الحائط أن كل الرسالات السماوية تدعو إلى احترام المقدسات والعقائد جميعها. وما حدث أمس في القدس، يعطي دليلا قاطعا على ان هؤلاء لا يريدون سلاما ولا يبحثون عن تعايشا، وما زالت مشاريعهم المريضة تعشعش في رؤوسهم في إقصاء الغير واعتبار كل من هو ليس منهم ليس بشرا.
يبقى الأردن وحيدا في مواجهة المخططات الإسرائيلية إزاء القدس، ليس فقط بحكم الوصاية الهاشمية عليها، بل لأن القيادة الأردنية بصفتها الشرعية والدينية قبل السياسية ترتبط ارتباطا عميقا في القدس منذ الأزل. واليوم، يخوض الأردن معركة كبرى ومعقدة على كل المستويات السياسية في العالم، للتأكيد على ان القدس أرض محتلة، ولا يجوز للمحتل أن يغير الأمر التاريخي فيها، وأنها مدينة سلام، ويجب أن تبقى كذلك، وأنها بالنسبة للعرب والمسلمين حق لا يمكن التنازل عنه. ورغم كل هذا، يجب ان لا يترك الأردن وحيدا في هذه المعركة، فقد تحمل في السنوات الماضية ثقلا كبيرا في مقاومته لما سمي بصفقة القرن التي كانت تستهدف القدس أولا، ورفض الأردن ذلك ودفع أثمانًا غالية في سبيل الحفاظ على موقفه.
ومضى أصحاب الصفقة، وبقيت القدس وبقي الأردن قويا ثابتا، وستبقى فلسطين أرضا عربية إسلامية، فعلى كل الامة مساندة الأردن وأبناء القدس في معركتهم لحماية المدينة المقدسة ودعمهم دعما صادقا لينتصر الجميع في معركة الشرف التاريخية الدائرة على بلاط الحرم الشريف.