لا يصدق البعض أن الأردن تعرض الى ضغوطات صعبة جدا، خلال العامين الماضيين، والذين لا يصدقون لديهم مبررات وذرائع يتسلحون بها في وجه من يتحدث عن الضغوطات.
الذين لا يصدقون يقولون صراحة ان الأردن حليف للولايات المتحدة، وفي حالات يقولون انه مجرد بلد صغير وظيفي يقدم الخدمات للأميركيين ولأمن المنطقة، وان هذا البلد لا يمكن ان يقول كلمة لا للولايات المتحدة، فهو ضعيف وهش، يعتمد على الدعم الأميركي أولا وأخيرا.
الاستخفاف بالأردن، تجده لدى البعض، ربما لأنه سلم حتى الآن من كل هذه الفوضى في المنطقة، ويراد من جانب هؤلاء ان يقال ان لا قرار اميركيا باستهدافه أيضا، ولا تقويضه، وقد لا يكون هذا صحيحا،، خصوصا انه لا يلغي بالمقابل خطورة فرض الضغوطات المتدرجة، والتجفيف المالي، على مستويات مختلفة، والحصار السياسي دون الاعلان عن ذلك، في ظل المعلومات التي لا تريد عمّان المجاهرة بها، عما جرى خلال العامين الماضيين، وهذه احدى مشاكل عمان، أي انها لا تجاهر بما تعرف، وتفضل ان تراهن على الوقت.
هذا الكلام بحاجة الى مراجعة، فالأردن ليس دولة عظمى، ولم يقدم ذاته على هذا الأساس، وعلاقات الأردن مع واشنطن لا تبنى فقط مع الإدارة السياسية الموجودة في البيت الأبيض، بل مع كل المؤسسات ذات السياسة الثابتة، والأكثر اطلاعا على مخاطر مس الأردن، وهذا يفسر ان العلاقات في العامين الأخيرين مع إدارة الرئيس السابق، كانت سيئة، لرفض الأردن التورط في تفاصيل حساسة على صلة بالقضية الفلسطينية، لكن في الوقت ذاته استمر الدعم الاقتصادي الأميركي للأردن، كون القرار في واشنطن لا يتخذه الرئيس فقط، مثلما ان الأردن أسس شبكة حماية لمصالحه في كل المؤسسات المؤثرة والنافذة في الولايات المتحدة، بما يخفف من نزق أي إدارة موجودة، واحتمالات تضرر العلاقات بين البلدين سلبا لأي سبب.
اليوم يلتقي الملك الرئيس الأميركي، وهو صديق شخصي له، مثلما ان هناك عددا من اركان الإدارة الأميركية على صلة إيجابية بالأردن، واذا كانت معايير العلاقات بين واشنطن وعواصم العالم، لا تقوم على أساس الصداقات، بل على أساس آخر، فإن الأردن يتنفس اليوم، وهو يعيد التموضع في العالم، وفي العلاقة مع الاميركيين، وفي المنطقة العربية أيضا.
زيارة الملك ستشمل عدة لقاءات مع اركان الإدارة الأميركية، وقيادات الكونغرس، ولجان الخدمات العسكرية، والعلاقات الخارجية، والمخصصات في مجلس الشيوخ، ولجنة الشؤون الخارجية، ولجان وبرامج في مجلس النواب، ومراكز بحوث أميركية، والعناصر المؤثرة في مراكز اللوبي الأميركية، وكل هؤلاء يشكلون شبكة حماية للأردن داخل الولايات المتحدة، يضاف اليها أساسا الإدارة الأميركية، وهذا يعني ان الأردن خلال سنوات متراكمة، تمكن من بناء هذه البنية القوية، التي تخفف حتى من انقلاب العلاقات، او تأثرها سلبا، أو تراجعها.
أهمية الزيارة انها الأولى لزعيم عربي يلتقي الرئيس الأميركي، وملفاتها متعددة، من بينها الملف الأردني بكل تفاصيله، بما في ذلك الطموح الأردني بزيادة المساعدات المالية، واستمرار دعم الأردن على مستوى استقرار المنطقة، كما ان لهذه الزيارة سمة عربية حيث سيتم بحث الملفات الفلسطينية، السورية، العراقية، خصوصا، في ظل رغبة الأردن بحدوث تحولات على صعيد الملف الفلسطيني، مع ادراك الأردن الرسمي ان تبني واشنطن لوصفة حل سياسي سريعة، امر قد لا يكون متاحا، بسبب جملة عوامل من بينها ان الإدارة جديدة، وهناك تقلبات في إسرائيل، فيما الملف السوري مهم على صعيد الصراع، وملف العقوبات، وتضرر الأردن من هذه العقوبات، وحاجة الأردن من جهة ثانية الى تثبيت الاستقرار في العراق، خصوصا، ان العراق يقترب من انتخابات في ظل وجود تداخلات سياسية مختلفة.
سألت مسؤولا وازنا حول اذا ما كان الملك يحمل رسائل عربية من عواصم عربية الى الإدارة الأميركية، فلم يجب، وتجاوز السؤال، لكن المؤكد هنا، ان وجود الملك في الولايات المتحدة، مهم للأردن، مثلما هو مهم للعرب، خصوصا، في ظل تغير السياسات الأميركية جزئيا إزاء المنطقة، مثلما ان استرداد الأردن لموقعه السياسي الفاعل على الخريطة امر حيوي، يفرض على من يخططون، إعادة التموضع كليا، والاستفادة بشكل إيجابي من هذه المرحلة الجديدة.
(الغد)