لبنان، العريق الشقيق، يغرق في أزمات متتالية أوصلته معاناة شديدة مصيرية وجودية. بدأت أزمته الأولى بانهيار الليرة اللبنانية والنظام المصرفي، بعد أن عجز عن الاستجابة لمتطلبات العملة الصعبة الضرورية للاقتصاد والناس، ثم أتت مشكلة الوقود وشحه التي دفعت اللبنانيين للعوز من جراء شح حاجاتهم من الوقود والتهريب المستمر لهذه السلعة عبر الحدود مع سورية التي تعاني ايضا من شح الوقود، واخيرا أتت أزمة تشكيل الحكومة بعد أن انهارت آخر المحاولات من قبل الحريري لتشكيلها على إثر خلاف مع رئيس الجمهورية ميشيل عون. حال صعبة قاسية يعانيها اللبنانيون، حتى ان أبسط متطلبات البدء في حل المشاكل، وهو تشكيل الحكومة، لم تنجح الجهود بعد لتحقيقه. لبنان لم يبدأ، ولم يمسك للآن، بطرف الخيط الذي قد يمكنه من حل الازمات. محزن ومؤسف الحال الذي وصل اليه اللبنانيون، وكل محبي هذا البلد الشقيق يشعرون بالألم للحال الذي وصل اليه لبنان.
مشاكل لبنان معروفة مستعصية، لا يبدو أن أحدا قادر على حلها، تتمثل في نظام محاصصة بغيض اعلى من مصلحة الفئة والطائفة على حساب مصلحة لبنان الوطن، فجاءت حكومة وراء اخرى ورئاسة تلو اخرى، لم تتخذ قرارات يحتاجها البلد للتغلب على مشاكله لينمو ويتقدم.
غرق البلد في نزاعات سياسية شخصية فصائلية دفع ثمنها اللبنانيون ووطنهم. ساد الفساد وعم سوء الأداء لأن الجميع بمن فيهم المسؤولون كانوا على قناعة ان اللعبة السياسية هي لعبة المحاصصة والطائفية، ولم يأبهوا بحل المشاكل لأنهم محميون بسبب الاجواء السياسية السائدة والتي أتت بهم. ثقافة الانهيار وسواد المحاصصة جعلت المسؤولين يتصرفون بفصائلية حتى لو كان ذلك على حساب لبنان. اجواء حرب اهلية ليس اطرافها الطوائف بل الناس اللبنانيون العاديون ضد النخبة السياسية الفاسدة تلوح بالأفق، وهذا خطير لأن الخسارة كبيرة والنتيجة مزيد من الانهيار الذي سيدفع ثمنه اللبنانيون.
يمكن للبنان ان يتعلم كثيرا من التجربة الأردنية، فقد قاوم القرار الأردني نزعات الشعبوية لصالح القرار الوطني القويم، وأعلى مصلحة الدولة على اي شيء غيرها، ولنا في التزام الأردن ببرنامج التصحيح الهيكلي المالي مثال حي كيف أن القرار القويم والسديد حتى لو لم يكن شعبيا له اثر ايجابي مباشر على مصلحة البلد العليا. بالرغم من ان برنامج الأردن مع صندوق النقد لا يحظى بشعبية، إلا أنه نجا بالأردن مما غرقت به دول اخرى، وحافظ الأردن على منعته وصمد بوجه أزمات الاقليم الكثيرة بسبب اتخاذه القرار السديد الذي يحقق المصلحة الوطنية العليا. للبنان والعراق في تجربة الأردن في التعامل مع الاحزاب وتجريم امتدادها للخارج او حملها السلاح ايضا مثال على كيف يجب ان تدار الدول. ضرب من المستحيل ان يتخيل الأردنيون ان حزبا لديهم يحمل السلاح او ينسق ويأتمر بقوى خارج حدود الوطن، حتى اصبح ذلك قيمة سياسية وامنية راسخة جعلت الأردن دولة قوية قادرة على الإمساك بقواعد السلم المجتمعي والحفاظ على الامن.
حمى الله لبنان وهدى نخبه لما فيه خير وطنهم ومجتمعهم.
(الغد)