استقلالية البنك المركزي يحميها القانون، ومن الطبيعي أن تحاول الحكومات التأثير على السياسة النقدية، وهي قادرة على ذلك طالما أنها هي التي تعيـّن وتقيل المحافظ ونوابه وأعضاء مجلس الإدارة، فاستقلالية البنك المركزي نسبية، ولا تعني أنه منفصل عن الدولة، بل تعني أنه يتمتع بالحكم الذاتي.
على العكس من ذلك فإن التقاليد التي أرساها أول محافظ للبنك المركزي –الدكتور خليل السالم رحمه الله، هي أن البنك المركزي هو الذي يتدخل في سياسة الحكومة وقراراتها ضمن مهامه كمستشار اقتصادي للحكومة، وقد مر وقت كان البنك المركزي هو الذي يحكم السياسة الاقتصادية ويحدد اتجاهاتها.
في محاضرته أمام جمعية البنوك في الأسبوع الماضي، شدد المحافظ الدكتور أمية طوقان على استقلال البنك المركزي، وشكر سلوك الحكومة الحالية بالاسم على احترام استقلالية البنك، كما شكر نائب الرئيس الدكتور رجائي المعشر لأنه (يحمي) البنك المركزي من التدخل. وهي لغة دبلوماسية مرر من خلالها المحافظ رسالة بين السطور.
يخشى المحافظ أيضاً من اتجاهات جديدة في أميركا للحد من استقلال الفدرال ريزيرف (البنك المركزي الأميركي) حيث يناقش الكونجرس مشروع قانون تقدم به أحد الشيوخ لإخضاع أداء البنك المركزي وقراراته ومداولات مجلس إدارته لمراجعة مكتب المحاسبات، الذي يراجع أداء جميع دوائر الدولة.
لكن هذا لا يعني بالضرورة التأثير على استقلال البنك المركزي وقراراته، بل مجرد وضع حد للسرية التي يتمتع بها البنك المركزي، فعليه بعد الآن أن يكون شفافاً ومفتوحاً للرأي العام وبالتالي إمكانية مناقشته ومحاسبته.
ما يحدث في أميركا اليوم سوف يحدث في العالم غداً، ولذا فإن البنوك المركزية حول العالم وفي الأردن تتوجس خيفة من هذا الاتجاه الجديد. وهي خشية غير مبررة، لأن المفروض أنه ليس لدى البنك المركزي ما يخفيه، فلماذا لا ُتعرض قيوده وسجلاته وقراراته ومذكراته الداخلية ومداولات مجلس إدارته لضوء الشمس.
عندما نقول أن الأردن بلد مؤسسات، يخطر بالبال البنك المركزي والقضاء النظامي والجيش والأجهزة الأمنية، وبالتالي فإن الاستقلالية النسبية للبنك المركزي تستحق الحماية.
(الرأي)