أجزم أن لقاء جلالة الملك عبدالله الثاني مع الرئيس الأميركي جو بايدن وأركان إدارته يوم الإثنين, هو أهم لقاء في تاريخ العلاقات الأردنية الأميركية منذ عقود.
الملك "عانى" وصبر وجامل إقليميا ودوليا وبالذات أميركيا, طيلة فترة ولاية الإدارة الأميركية السابقة وقراراتها الهوجاء العرجاء, عندما "وهب" ترامب القدس والجولان لنتنياهو وأوقف دعم الأونروا واتخذ قرارات عقيمة تتجافى كلها مع المصالح الوطنية العليا للأردن ناهيك عن محاولة طمس قضية فلسطين من الوجود, كما لو كانت بلادنا ومقدساتنا بعضا من "تركة الوالد" يتصرف ترامب بها كيفما شاء.
صبر الملك ومجاملاته إقتضتها الظروف العربية الصعبة المشتتة, والإقليمية الطامحة والطامعة, والدولية المنافقة التي تقول الحق سرا وتخفيه جهرا تحت وطأة رعونة قرارات ترامب ونزواته وأحلامه التي تبددت والحمد لله.
اليوم العالم ونحن بالذات بصدد إدارة أميركية جديدة لن أقول أنها الأفضل, ولكنها الأكثر واقعية, فهي تتحدث عن حل الدولتين, وهي أعادت دعم الأونروا, وهي صاحبة موقف مجاف للإستيطان الذي ينسف حل الدولتين, وهي تظهر دعما قويا للأردن وتقدر ظروفه ومنطلقاته ومخاوفه. من هنا فإن لقاء الإثنين سيضع الكثير من النقاط على الحروف أردنيا وعربيا أيضا, وبالذات فلسطينيا وسوريا وعراقيا, وهو ما نتمنى ونتطلع لأن يكون في صالحنا وصالح أشقائنا ومنطقتنا عموما.
وهنا أيضا نعود إلى لاءات "الملك" في الزرقاء عندما أكد أن موقفه من القدس لن يتغير, وعندما أكد كذلك أن كلا للتوطين وكلا للوطن البديل, ونجزم أنها ستكون حاضرة وبقوة على مائدة لقاء الإثنين, فمن منا يمكن أن يعارض ذلك مثلا!, ومن منا يمكن أن يجافي حل الدولتين في فلسطين!.
الزيارة من حيث موضوعاتها وترحيب الإدارة الأميركية بها, تاريخية وغاية في الأهمية, ولهذا فلا بد من أن ندعمها ونؤكد دعمنا للملك في ما سيطرح من قضايا تتصل بحاضرنا وبمستقبل بلدنا ومستقبل قضية فلسطين التي يتصل كل "حرف" فيها بمصالحنا الوطنية العليا من ألفها إلى يائها.
من المهم جدا, ومن اللائق والمناسب والمطلوب في هذه الأثناء, أن تدرك الإدارة الأميركية, أننا مع الملك ندعمه ونقف معه في المحاور المعلنة التي سيناقشها مع رئيس الدولة الأكبر وأركان إدارته, وهذا حقنا وواجبنا معا, فعندما يكون الملك متسلحا بدعم شعبنا ومؤسساته وأحزابه وسائر هيئاته التمثيلية لما سيطرح من مواقف وطنية أردنية, فإن ذلك يعزز بلا أدنى شك من قوة موقف الملك في طروحاته وأفكاره ورؤيته لقضايا المنطقة بأسرها.
نعم, نحن نعاني ولدينا مشكلات متراكمة كثيرة لها أسبابها ولها أيضا مبرراتها, ومن حق المعارضة الوطنية أن تعبر عن رأيها بما يخدم الأردن حاضرا ومستقبلا, والمعارضة الوطنية الإيجابية مطلوبة وظاهرة صحية في كل وطن, ولكن, هل يصح أن نخذل الملك ونعارض دعم المواقف الأردنية المعلنة على لسان جلالته في كل محفل دولي وعربي وإقليمي, بينما هو يطالب القوة الأكبر التي يسعى العالم جله, إن لم يكن كله, لكسب ودها حتى لو كان كارها لها مثلا!!.
هذا هو رأينا النابع من حبنا التاريخي لبلدنا والذي يأبى مزايدة أي كان على وفائنا وإخلاصنا غير الساعي لمغنم كما يفعل كثير غيرنا. وعليه ننتظر بإذن الله, نتائج جيدة للقاء الملك في واشنطن عاصمة القرار الدولي, ونشد على يد الملك ولا نحبطه في وقت جد دقيق وحساس.
الله من وراء قصدي.