أنا والطيران توأماند. عائشة الخواجا الرازم
17-07-2021 11:51 AM
ثلاثون عاماً من الطيران ، جعلت من حياتي أسطورة للصبر والدعاء المستديم ، وكوني زوجة لطيار مقاتل ثم أصبح طياراً مدنياً يحوي في ضميره الأرواح المستجيرة ، فأنا أتابع الرحلات لكل الطيران في العالم وكوارثها ، ومستحقاتها السعيدة !! تلك حياة محفوفة باللوعة والانتظار الدائم دون انقطاع ، ومن يعتقد بأنها متعة مارقة عادية تشبه أية متعة فيها هواية ، فهو لا يعرف أسرار الروح المسافرة في عالم الاستسلام لقدر الله ومشيئته وكيف يعم تلك الروح الإيمان بالله عند أي طيار ومن أية ملة أو جنسية !!! فالطيارون بالتحديد هم شفافية اللوعة المكتومة دون تصريح ، وهم اصحاب مهنة التداوي بالسفر ولقاء الفضاء والتضحية عن جميع من يحملونهم في بطن السر المحلق بين الأرض والسماء ! ولذلك نجدهم آخر من يستغيث ويصرخ في الميكروفون على مسمع المسافرين ، وربما لا يقبل الطيار أن يصرخ وتلك تربيته واخلاق الفضاء العلوية التي تطبع عليها وتدرب بحكم عظمة المعجزة التي باتت عادية عند البشرية جمعاء ، وهي عنده حالة مهولة في كل لحظة! والمؤسف بأن الناس حينما يسمعون خبر تحطم طائرة ورحيل ركابها أو بعض ركابها ، لا يفطنون للطيار ، وبالتحديد يحس المشاهد أو المراقب للخبر الماساوي أن الطيار هو جزء من تركيبة الحديد والمعدن ، وحين يقال : وقضى طاقمها كلهم في قمرة القيادة ، يشعر المتلقي أنه ما زال عليه معرفة الخبر الأهم ،و هو هل ذهب الركاب ؟ ولقوا حتفهم ؟ لأن الطيار بالنسبة للمتلقي هو آلية السفر ومن واجبه أن يجازى بالموت أي لحظة ، وذلك لأنه اختار محنة السماء ، وعليه استلام ما جنت يداه ، والحقيقة أن الطيارين في العالم، هم أمثلة الحياة والتضحية ، وأن الفطرة التي غرسها الله سبحانه في كل نفس أمارة بالطيران ، هي قادرة على تحمل الشدائد والمخاطر!!! وحين تتعرض لأعظم اللحظات الحاسمة تبقى متشبثة باللا حيلة سوى الإيمان والامتزاج مع الله في لقاء الموت ، وآخر من يعلن خوفه ورعبه في حال تعرضت الطائرة للاختطاف الملعون أو للانفجار الجزئي ، أو تعطلت المحركات جزئياً أو كلياً أو انعدام الأوكسجين أو التعرض لعاصفة رعدية وبرق مدمر هو الطيار !! فلا يهلع من الرحيل بصوت مرجف على مسمع من المسافرين كي لا يفرط أعصابهم قبل الوداع ! وربما يذكر الله حتى لو كان ملحداً ويقضي بسلام الروح المحلقة على مسمع المسافرين !! ويا الله كم هؤلاء الناس عظماء ؟ وكم هم جبارون في الصبر والتضحية والاحتمال في المصائب والشدائد الجوية ومخاطرها ؟ وربما ويا للحسرة على كل طيار يروح في فضاء الله صامتاً ابياً وبطلاً ، لا يسمع له حتى في الصندوق الأسود بكاء أو صراخ سوى الاستغاثة بالأساليب العلمية والأرقام والشيفرات المألوفة في عالم الطيران والمتعارف عليها في الأياتا ، ومع أنه لا انضباط لأي مخلوق لتعبيراته عند الخطر المحيق ، يظل الطيار في لغته العلمية والتهدئة والتطمين للأرواح المحمولة معه حتى النفس الأخير في لحظات الألق الروحاني المحفوف بالولوج إلى الله ! ، ولذلك يشبّه أي طيار كمن يحمل روحه على كفه في لقاء الملكوت ! !أعرف أن كثيرا من الأصدقاء والمعارف وحتى زوجي يضحك مني حين أبدأ بالتمتمة وتلاوة القرآن عند الإقلاع وعند الهبوط ، ويسخرون مني وأتحمل ذلك بعفوية وابتسامة وأخبرهم بأنني أومن بعظمة الموهبة تلك ولذلك لا أمرق عنها مروق الفراشة على ظهر الضوء ، بل أزداد تهيباً وتأملاً وتعمقاً كلما سافرت وارتحلت ! |
الاسم : * | |
البريد الالكتروني : | |
التعليق : * |
بقي لك 500 حرف
|
رمز التحقق : |
تحديث الرمز
أكتب الرمز :
|
برمجة واستضافة