تفكيك إسرائيل: من صرخة في واد إلى مطلب عالمي
داود عمر داود
17-07-2021 11:36 AM
عين كارم قرية صغيرة محتلة منذ عام 1948 تقع إلى الجنوب الغربي من القدس وتبعد عنها 6 كيلومترات. كان تعداد أهلها آنذاك قرابة 4 آلاف نسمة استقر معظمهم بعد النكبة في عمّان، فيما بقي عدد قليل منهم في الضفة الغربية، في بيت لحم والقدس وأريحا. وقد شارك أهلها كغيرهم في الثورات المتعاقبة ضد الانتداب البريطاني، (1917-1948)، وضد مؤامرة زرع اليهود في فلسطين، وقدموا كغيرهم كوكبة من الشهداء، قبل النكبة وخلالها وبعدها. وما زالوا ينشطون في مجال القضية الفلسطينية، حيث أصبح تعدادهم الآن أكثر من 25 ألف نسمة.
تراث عين كارم
وعندما شعر أهالي عين كارم بتناقص كبار السن، الذين عاصروا القضية الفلسطينية، أخذوا على عاتقهم تدوين تاريخ قريتهم. وبدأوا منتصف التسعينيات بنشاط جمع التراث، بإجراء عشرات المقابلات مع من كانوا شهوداً على أحداث فلسطين، منذ أواخر العهد العثماني، مروراً بفترة الانتداب البريطاني، وصولاً إلى النكبة، والتهجير، ومرارة الغربة. وجمعوا الوثائق والصور القديمة ورمموها وحفظوها، وقاموا بزيارات إلى قريتهم المحتلة والتقطوا صورا لبيوتها ووثقوا أسماء أصحابها الأصليين، بيتاً بيتاً، وأنتجوا سلسلةً أفلام وثائقية نالت جوائز عربية. وكان لكاتب هذه السطور شرف أن يكون أحد رواد هذا النشاط.
مهرجانات عين كارم السنوية
وكان أهالي عين كارم يقيمون في عمّان مهرجانات سنوية تتزامن مع ذكرى إحتلال قريتهم، في 17/7 من كل عام، يعبرون خلالها عن أمانيهم بالعودة يوماً إلى قريتهم، ويؤدون قسم العودة، الذي يتعاهدون فيه أمام الله بأن يثبتوا على موقفهم على مر الأجيال. ويستمعون إلى شعراء يصدحون بقصائد تتغنى ببلدتهم وبالقدس وكل فلسطين، وإلى ضيوف من السياسيين والخبراء والمؤرخين والمتحدثين في الشأن الفلسطيني، ويقيمون معارض لصور قريتهم قديمها وحديثها، ومعارض لوثائق ملكية الاراضي والبيوت، كل ذلك وسط إهتمام صحفي وإعلامي عربي كبير، وبث على الجزيرة مباشر، وآلاف من الحضور، في مهرجانات أُقيمت في مجمع النقابات المهنية في عمّان.
مطالبة العالم بـ (تفكيك إسرائيل)
ما يهمنا هنا هو البيان الذي كان يصدر عن أهالي عين كارم الذي يحدد موقفهم السياسي من تطورات القضية، حيث كانوا سباقين في طرح فكرة جديدة وهي مطالبة العالم بـ (تفكيك إسرائيل) وإزالتها من الوجود، وذلك في وقت كان مجرد التفكير بأمر كهذا ضرباً من الخيال، وحُلماً بعيد المنال. فكان هذا الخطاب السياسي، المتقدم على عصره، يثير التعجب وأن مطلبهم سيذهب أدراج الرياح. لكنهم أصروا على موقفهم عبر السنين، رغم أن كل الظروف تؤكد بأن لا أحد سيسمع صوتهم.
عندما يصبح الحلم حقيقة
والآن، وبعد مرور أكثر من 20 عاماً على المطالبة بتفكيك إسرائيل أصبح هناك ناشطون وقوى سياسية في العالم تطالب بنفس مطلب أهالي عين كارم. وها نحن نشهد اليوم الذي تنادى فيه 600 أكاديمي وفنان ومثقف ومفكر، من 45 دولة، ليوقعوا إعلاناً يطالبون فيه بتفكيك الكيان الصهيوني، تحت شعار (إعلان من أجل القضاء على جريمة الفصل العنصري في فلسطين التاريخية والمعاقبة عليها).
وسرد الإعلان موجبات مطالبتهم الفريدة بأن إسرائيل عرّضت الشعب الفلسطيني، على مدار 73 عاماً، لكارثة إنسانية مستمرة شملت التهجير الجماعي، والتطهير العرقي، والفصل العنصري، ومصادرة الأراضي، والاستيطان، وفرض حصار غير إنساني على غزة، وارتكاب جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية، وثقتها منظماتُ حقوق الإنسان والأمم المتحدة.
التفكيك الفوري وعودة اللأجئين
وكان من بين الموقعين شخصيات عالمية بارزة ومن الحائزين على جائزة نوبل، استحضروا المادة الأولى من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أن الناس (يولدون أحراراً ومتساوين في الكرامة والحقوق). وأكدوا أنهم يطالبون بـ (التفكيك الفوري لهذا النظام)، ويعطون الأولوية لعودة أهل فلسطين إلى مدنهم وقراهم. كما حث الموقعون حكوماتهم للإنضمام إلى دعوة تفكيك إسرائيل واستبدالها (بحكم عادل).
ومن بين المطالبين بتفكيك إسرائيل الأرجنتيني أدولفو بيريز إسكيفيل المعروف بدفاعه عن حقوق الإنسان، والأيرلندية مايريد ماغواير المشهورة بالدعوة للسلمية، والأكاديمية مونيك شيميلييه جندرو أستاذة القانون العام في جامعة باريس، واليهودي الأمريكي ريتشارد فالك استاذ القانون في جامعة برنستون الذي تكرهه إسرائيل، والفيلسوف الفرنسي إتيان باليبار، وأستاذة اللغات الإسرائيلية هاجيت بورير، وعالم الرياضيات الفرنسي إيفار إيكلاند، وسعاد جوزيف عالمة الإنثروبولوجيا الأميركية من أصل لبناني، وجاك رانسيير الفيلسوف الفرنسي المهتم بالسياسة، وغيرهم.
خلاصة القول: أهل فلسطين قدوة العالم في مقاومة الاحتلال
ينظر العالم إلى أهل فلسطين على أنهم قدوة في مقاومة أطول احتلال في العصر الحديث. فقد ظلوا يجاهدون لأكثر من مئة عام، يضحون بالغالي والنفيس، من أجل إستعادة السيادة على بلادهم. فلا عجب إذن أن يخرج من بينهم من يمتلك الشجاعة الأدبية ليكون أول من يطالب بتفكيك إسرائيل، وذلك في ظروف سياسية كان يُتهم فيها بالتطرف والإرهاب حتى من ينتقد الكيان الغاصب، فما بالك من يطالب بإزالته من الوجود. وهكذا كانت المطالبة بتفكيك إسرائيل صرخةً في واد، فإذا بها تصبح مطلباً عالمياً، ينادي به نخبةٌ من شرفاء العالم. فهل سنرى قريباً تفكيك الكيان الصهيوني وعودة أهل فلسطين وعين كارم إلى بيوتهم وأراضيهم؟ وهل اقتربُ حُلمُ إزالة إسرائيل؟