ما يحدث في لبنان ضرب من الجنون
خالد دلال
17-07-2021 12:11 AM
من المرشح أن يتفاقم الوضع أكثر في لبنان للأسف، سياسيا وما يتبعه من تعقيدات اقتصادية خطيرة، تعمق تدهور الأوضاع المعيشية هناك، في أعقاب اعتذار رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري في الأمس القريب عن تشكيل الحكومة، بعد تسعة أشهر من التجاذب والتراشق والتضارب والتنافر مع الرئيس اللبناني ميشيل عون.
المشكلة أن قادة لبنان لا يعون أن خلافاتهم، التي طال أمدها، بدأت فعلا بجر البلاد نحو المجهول في مناح عديدة. ولعل أبرزها انهيار قيمة الليرة اللبنانية مقابل الدولار، وتداعيات ذلك من ارتفاعات صاروخية في أسعار المواد الاستهلاكية (بعض أسعار المنتجات غير المدعومة تجاوز 400 أو 500 بالمائة)، لدرجة أن الشعب بدأ يفيض بمشاعر التذمر واللايقين والخوف من المستقبل، التي نسمعها في كل اتصال مع صديق هناك من سياسيين وإعلاميين، وحتى عامة الناس.
فبعد اعتذار الحريري عن تشكيل الحكومة، تخطى سعر الدولار الأميركي عتبة 23 ألف ليرة لبنانية. هل يعقل أن تصل لبنان إلى هذا الهبوط القياسي التاريخي غير المسبوق في عملتها والأزمة السياسية مستمرة ومرشحة للتصعيد؟!
خذوا مثلا معضلة توفر الأدوية. نقص شديد في المخزون. تمنع المستوردين عن تسليم الأدوية للصيدليات في انتظار لوائح الأسعار الجديدة وما هو مدعوم منها. وقف الكثير من الصيدليات لعملها بسبب خلوها من الأدوية. تعرض الكثير منها للاعتداءات، والسلطات لا تحرك ساكنا. لننظر أيضا إلى أزمة المحروقات وعدم توفرها، وما يجره من انقطاعات مستمرة في الكهرباء، والأخطر الخوف من توقف عمل المخابز أو المستشفيات ومرافق حيوية أخرى عديدة.
أليس ضربا من الجنون أن كل هذا يحدث وما يزال الجمود السياسي في تشكيل الحكومة سيد الموقف، وأن يصل الأمر إلى الدخول في حالة فراغ واستعصاء مجددا لحين تكليف رئيس وزراء جديد؟ حتى أن فرنسا ومعظم دول العالم باتوا يطلبون تعجل قادة لبنان في ذلك. أيهم أكثر حرصا على لبنان من ساسته؟
الأمر لا يحتاج إلى متنبئ لتوقع ما سيحدث إذا استمر الوضع في الانزلاق نحو الهاوية. والأجدى، من باب النصيحة، أن يتم عقد مؤتمر إنقاذ وطني لكل الفرقاء في لبنان، ووضع خريطة طريق سياسي يصلون من خلالها إلى توافق لتشكيل حكومة يكون هدفها ليس المحاصصة الطائفية وعقدها، بل وضع خطة اقتصادية للخروج من عنق الزجاجة قبل انهيار البلاد.
لبنان على أبواب الإفلاس بمعنى الكلمة، بعد أن تمادى قادته في إفلاسهم السياسي. فهل من عقلاء أم أن المركب سيغرق، كما حذر بعضهم قبل أشهر؟
أنقذوا لبنان قبل فوات الأوان. وعلى الجامعة العربية، وذلك أضعف الإيمان، الدعوة إلى عقد اجتماع طارئ لمناقشة الوضع اللبناني، والخروج بمبادرة عربية إن لزم الأمر. فما هو عملها إن لم تفكر في إنقاذ أحد أعضائها! أو ليطلبوا مساعدة الأمم المتحدة إن كان أجدى. وهو كذلك.
الاحتجاجات بدأت في لبنان والشارع يغلي في أعقاب فشل تشكيل الحكومة. وقد تتدهور الأوضاع وتخرج عن السيطرة، رغم عودة الهدوء نسبيا. ووقتها لن ينفع الندم ولا العويل.
وليتذكر جميع قادة لبنان مقولة الشهيد الرئيس رفيق الحريري: “لا أحد أكبر من بلده”. لقد كان في اغتياله، رحمه الله، اغتيال لوطن بأكمله. والدليل ما نراه اليوم.
(الغد)