طالبان في موسكو .. ماذا هناك؟
د.حسام العتوم
15-07-2021 09:47 AM
يستطيع السياسي القدير والمتابع عن قرب لدوران عجلة الأحداث في العالم أن يتفهم معنى حضور حركة طالبان الافغانية في موسكو العاصمة الروسية بتاريخ 9 تموز الجاري 2021 . لكن أمرا مثل هذا يصعب تصوره على المواطن البسيط غير القادر على التحليل وليس التفسير فقط للاحداث العالمية المتتالية. وحركة طالبان قومية اسلامية مسلحة معارضة للسلطة في أفغانستان بقيادة أشرف غني، وحتى منذ سقوط الجمهورية الأفغانية المدعومة من الاتحاد السوفيتي، وتأسست عام 1994، وسبق لها مؤقتا أن سيطرت على العاصمة الأفغانية كابول، ولا علاقة لها بعصابة ( داعش ) الإرهابية، ولا بتنظيم القاعدة الأم الإرهابي، وتحاربهما معا وكل أصناف الإرهاب. ومطالبها شرعية وطنية قومية أفغانية تتلخص بترحيل القوى الأجنبية عن أفغانستان الممثلة بحلف ( الناتو ) العسكري بقيادة أمريكا، وبحضور قوات تركية موالية للناتو، وهي ملتزمة بالقران الكريم، وتسير على المذهب الحنفي، والسنة الصحيحة. والمدهش للمراقب لحدث وجود طالبان في موسكو، هو أن هذه الحركة بالذات هي من حاربت الوجود السوفيتي في أفغانستان بالتعاون مع الوهابية العربية المتطرفة والاستخبارات الأمريكية CIA )) على ما يبدو في الأعوام 1979 1988 وانتهاءً بالانسحاب السوفيتي الرسمي عام 1989، وسط سعير الحرب الباردة بين السوفييت ومعهم حلف )وارسو( العسكري ، وبين الولايات المتحدة الأمريكية وحلفها ) الناتو) العسكري أيضاً، وخسران 15 ألف قتيل.
وبالمناسبة،، فإن روسيا الاتحادية اليوم ومنذ انهيار الإتحاد السوفيتي عام 1991 لا تشبه الإتحاد السوفيتي في سياسته التي قادته بنفسها 69 عاما بين الأعوام 1922 و 1991، رغم عدم تخلي روسيا عن أحداث ذات صلة بالحرب العالمية الثانية (العظمى) 1941 1945، مثل السيطرة على جزر (الكوريل) اليابانية بعد تطاول اليابان على السوفييت، وتلقي اليابان عقوبة قاسية أخرى من أمريكا في (هوريشيما وناكازاكي) بضربهما بأول قنبلتين نوويتين صنعتهما في ذلك الوقت، ومخطط أمريكي بعد ذلك لضرب الاتحاد السوفيتي نفسه بالقنابل النووية عام 1949، لولا اكتشافها صنع السوفييت لقنبلتهم النووية في نفس العام. وهي - أي روسيا- لن تعود الى أفغانستان بعد خروج أو إخراج السوفييت منه سابقا كما ذكرت، وحركة طالبان تعرف ذلك .
وفي الوقت التي تصدى فيه السوفييت للحرب الباردة ولسباق التسلح من قبل الطرف الأمريكي قائدة الناتو، واصل الروس عدم اعترافهم بالحرب الباردة وبسباق التسلح و رفضها لهما معا، وعملت على قيادة عالم متعدد الأقطاب، وقادت الشرق وتحالفت مع الصين رغم علاقة أمريكا الاقتصادية المتفوقة مع الصين. وتمسكت روسيا أكثر بالحوار والقانون الدولي عبر الأمم المتحدة ومجلس الأمن والمحكمة الدولية، وتميزت بهكذا مسار. ودعوة للنائب الروسي - فلاديمير جيرينوفسكي - للإعتراف بحركة طالبان الطامحة للسلطة في كابول، والتي لم تعد تصنف في موسكو على أنها إرهابية بل وطنية بإمتياز.
إذن طالبان اليوم بقيادة أميرها هبة الله زادة في زمن روسيا بوتين وأمريكا بايدن، لا تشبه مثيلتها عندما كان الاتحاد السوفيتي قائما، وبوجود حرب باردة مشتعلة مع الولايات المتحدة الامريكية، وبوجود صنوف الأرهاب. فالحرب الباردة تلك خف سعيرها وهدأت نيرانها خاصة بعد قمة جنيف 2021، ومنها ما تعلق بأفغانستان مباشرة، بحيث بدأت الحاجة الأفغانية الوطنية والقومية تدفع صوب ضرورة ترحيل قوات حلف الناتو بقيادة أمريكا عن أرض افغانستان من دون الحاجة لخوض معارك معهم ومع الاتراك ايضا على غرار معركتها الطويلة مع الاتحاد السوفيتي. واتفاق بين أفغانستان وأمريكا على الانسحاب من هناك جرى بتاريخ 29 فبراير 2020، ووعد أمريكي بالانسحاب من أفغانستان بتاريخ 31 أغسطس المقبل، وحرص روسي على حوار طالباني مع سلطة كابول بعد الإنسحاب الأمريكي المتوقع لكي لا تندلع حربا شعبية دموية لا يحمد عقباها وتكون طويلة المدى. وتسيطر طالبان اليوم على 85% من أرض أفغانستان وهي جيدة التسليح. وتعهدت في موسكو - عبر مؤتمرها الصحفي- لمحاربة كافة صنوف الإرهاب ولمطاردة تجار المخدرات، ولإقامة إمارة إسلامية خالية من تنظيم داعش الإرهابي بكافة صنوف عصاباته المجرمة المعروفة. واجتماع قريب في طاجكيستان لمناقشة الشأن الأفغاني برمته قبل وبعد رحيل أمريكا قائدة (الناتو)، وإنذار أفغاني وُجه حديثا لتركيا لكي تخرج قواتها من أراضيهم ايضا، وهو حق سيادي لا يناقش.
وكثيرون منا من لاحظ عبر الإعلام المتحرك الحراك العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط، وإعادة تموضعه هنا وهناك، ومن قاعدة عسكرية إلى أخرى رغم أن الحرب الباردة تراجعت ألسنة نيرانها بعد قمة جينيف (بوتين – بايدن) 2021، لكن الاحتراز بالنسبة للناتو و حسب رؤيته واجب، وستشهد مدينة سانت بيتر بورغ الروسية شمال موسكو العاصمة بتاريخ 25 تموز الجاري عرضا عسكريا روسيا بحريا مهيبا، يحمل رسالة لحلف )الناتو( مجتمعا بأن روسيا الأتحادية النووية العملاقة موجودة ببحريتها وجيشها الأحمر، وبأن حربا عالمية ثالثة لن تتحقق بسبب أن النصر فيها لن يكون لصالح أي طرف من الدول النووية العظمى.
وحب الحياة بطبيعة الحال هو الغالب عالميا، وهو عنوان. وتصريح جديد للرئيس فلاديمير بوتين أفاد بتعالي الأصوات المناهضة لروسيا وبشكل مبرمج، ووجود غيرها المؤازرة لها داخل أوكرانيا نفسها و بنسبة مليونية. وهو الأمر الذي يعني بأن كل شيء في العالم متغير وفي مقدمته السياسة والاقتصاد و العسكرة، وأينما تكون أمريكا تكون روسيا، والصين ناهضة وبشكل ملاحظ.
وفي الختام أقول هنا، بأن أفغانستان للأفغان أنفسهم وهو أمر سيادي لوطنهم، وتضاريس أفغانستان الجبلية والمكونة من الوديان والكهوف والبراكين قاسية، وترفض وجود الأجنبي فوقها. والإرهاب من وسطها وصل سابقاً إلى الخارج وضرب أمريكا وإسبانيا وبلجيكا وتركيا وروسيا وإندونيسيا والباكستان وأفريقيا والعراق ومسنا هنا في الأردن، وهو الذي تطارده طالبان اليوم، فمساعدتهم على اجتثاث الإرهاب هو أمر أيدولوجي، وتطويق تجارة المخدرات عندهم، والذي هو موضوع أمني، ومنعه من مغادرة حدودها واجب أفغاني ودولي مشروع بكل تأكيد.