توابع كورونا وخسائرها اكبر واخطر مما يفوق كل التوقعات، واخطر ما قد يفكر به هو جيل كورونا من طلاب المدارس. جيل عاش عامين دراسيين دون الذهاب الى المدارس، ودون ان يروا معلمين، ودون ان يصحو باكرا ويذهبوا الى المدرسة، ودون ان يلمسوا دفاتر وكتبا، واقلاما وطابشورا واوراق امتحانات، ودون ان يشتروا شندويشة وعلبة عصير وشوكلاته من مقصف المدرسة.
تصريحات وزير الصحة قبل ايام عن عدم «عودة التعليم الوجاهي»، خلقت بلبلة بين الاردنيين، واثارت رعبا وذعرا مجتمعيا، واصابات اولياء الامور بالقلق والارباك ازاء مصير اولادهم، وما يجري للعملية التعليمية في الاردن. وبعدما تنفس الناس الصعداء بامل انفراج ازمة كورونا وعودة المدارس والجامعات والتعليم الوجاهي.
نعم، تحمل اولياء الامور عامين من انقطاع الدراسة، واطاعوا اوامر الحكومة بخصوص التعليم عن بعد، واغلاق المدارس. ولكن، لا يقدر نجاعة ونجاح التعليم عن بعد، ومقارنته بالتعليم الوجاهي غير اولياء الامور «الاب والام»، هم على احتكاك مباشر مع اولادهم ويقيسون ويميزون بـ»ميزان من ذهب» ايهما افضل وانجع للطالب، ومهما اختلفت وتغيرت الظروف؟.
العملية التعليمية انضربت، والطلاب خسروا الشروط والمعايير الاولى للتعليم، المدرسة والصف والمعلم واللوحة والطابشور والمقعد الدراسي. حتما من اسوأ الاحوال عدم ذهاب الطلاب الى المدارس، ومن اسوأ الاحوال ايضا تركهم رهائن للشارع والحارة وعدم الانضباط وادماجهم في برامج ونشاطات تربوية وتعليمية منهجية ولامنهجية.
اخطر قراءة لكورونا ليست صحية وبائية واقتصادية وسياسية، بل تعليمية وتربوية، وتاثيرها الممتد على اجيال الوباء، وما عاصروا ظروفا تعليمية ومعيشية وانسانية غير طبيعية واستثنائية وقاهرة وضاغطة.
لا تستغرب ان طالبا في الصف التاسع والعاشر لا يعرف يكتب اسمه، وان كتبه يخطىء بين الحروف، وان كتب اول اسم فانه يعجز عن اكمال اسم والده وجده وعائلته، ولا تستغرب ان طالبا في الصف الخامس والسادس لم يمسك قلما في يده، ولم يخط حرفا على ورقة، ولم تلامس يداه اوراق كتاب او دفتر مدرسي.
نحن حقيقة امام ازمة جيل كورونا. والغريب ان لا احد يسأل عن التعليم. وماذا اصاب جيل كورونا من ضعف وترديء وسوء تعليم، وكيف سيقاومون ويمانعون لكي يخرجوا من محنة الوباء تعليميا.
ومدى الخطر ابعد بما قد يصيب اجيال كورونا من هشاشة بالتعليم والتربية والقصور الوجداني، وتعمق اثار الوباء النفسية والانسانية، وولادة جيل مجروح خارج اسوار المدارس منتمي الى الشوارع والحارات والازقة، وغير مؤمن بمرجعيات تربوية وتعليمية، وشخصيته مضروبة، نتاج لتوابع كورونا.
وما اخشاه هنا ان كورونا سوف تنتج جيلا جاهلا، بلا تعليم وتربية. العودة الى المدارس والجامعات لتكن خيارا حتميا وجبريا. ولا مجال للتفاوض والتردد والتغطية والتبرير تحت حجة تغييرات وتطورات احوال واوضاع الوباء.
فيكفي ما نراه يوما من اخبار امتحان التوجيهي. وما تولد لدى الطلاب من ثقافة مرعوبة من التعليم. ونمو شعور الحلول اليسيرة والسهلة والرخوة، والانقياد وراء الطبائع في التعليم واجتياز الاختبارات المدرسية على اختلاف مراحلها، وذلك دون تعب وجهد، وارهاق ذهني وعقلاني وادراكي.
«التعليم اون لاين» عن بعد خلف طرفة وتندرا اردنيا غير مسبوق. يضحك الناس على اخبار التعليم وسرقة الاسئلة وتسريبها والغش الالكتروني، والعلامات العالية غير الواقعية والموضوعية في نتائج وتحصيل الطلاب، ولا يعرفون انهم يضحكون ويسخرون من انفسهم بالاول والاخير، وكم يقف الانسان امام المرآة ويعيب على نفسه شكل وملامح وجه.
الخاسر من ازمة كورونا تعليميا هم ابناء الفقراء والمهمشين والغلابة في المحافظات والاطراف، ابناء موظفي القطاع الحكومي والتعليم الحكومي، من خسروا في معركة كورونا التعليم، وفضحت كورونا سلاحهم وادواتهم، فهم لا يملكون انترنت وابسط بيئات ومستلزمات التعليم عن بعد.
الدستور