إرثنا من الأضرحةِ مؤرقٌ بعض الشيء فهو من نفحات التاريخ الديني و يتمثل في أضرحة ومقامات أنبياء و صحابة و تابعين. ليس بحساسية مواقع مسيحية هامة كالمغطس و الكنائس القديمة و جبل نيبو و الحضارات التي تركت تاريخها العظيم في البتراء و جرش و عمَّان فكلها تجذبُ السياحة الداخلية والخارجية. لكن هناك أكثر من 30 ضريحاً و مقاماً و مزاراً مصنفين إسلامياً منهم المؤكد ومنهم غير ذلك لأنبياء وصحابة و صالحين، و فيهم بالتأكيد ضريح سيدنا سيد شهداء الجنة جعفر بن أبي طالب عمُ رسول الله عليه أفضل الصلاة والتسليم.
وبينما تؤم الأماكن الدينية المسيحية أفواجٌ من السواح بأوقات معلومة فإن زيارة الأماكن الإسلامية ليست عادةً دوريةً للأردنيين الذين يحيطون هذه المراقد بما تستحق من توقير و رعاية وتبجيل لكنهم لا يقيمون حولها لا طقوساً ولا نذوراً و يختلفون في ذلك في تناولهم لها عن أشقائهم المسلمين في مصر و العراق.
لكن موضوع الأضرحة يبرزُ بين الفينة والفينة على وجهه الدينيّ السياسي فيما يخص زيارة المسلمين الشيعة لما يوصف أنه مراقد وأضرحة آل البيت. كُتِبَ الكثير عن هذه المسألة و سيستمر الجدل بشأنها لكن رأيي المتواضع أن زيارة هذه الأماكن التاريخية الدينية الموقرة يجب ألا يتحول لمأسسةٍ من نوعِ ما نراهُ في العراق و سوريا حين تؤم الآلاف المراقد و القبور و تصبحُ البلاد على مناكفةٍ ليست دينيةً فحسب و لكنها تتنافس مع سيادة الدولة. ثم إنَّ المجتمع الأردني و المحيط يالأضرحة غير مهيئ لاستقبال زوار عندهم بقرارة النفس إعتقادٌ بِقُدسيَّةٍ تختلفُ عن ما يعتقده المواطن الأردني المسلم.
وقد تقود مأسسةَ الزيارات و التَلُّمُسْ المُغالي في القدسية لاختلافاتٍ الجميعُ بِغِنىً عنها. باعتقادي أن زيارة الأضرحة و الدعاء للصحابة المكرمين المدفونين في ثرى الأردن والاعتداد بتاريخهم قدوةً لنا يجب أن لا تكون إلا مروراً سريعاً من المواطنين والزائرين و ليس عمليةً مؤسسيةً بغرض الزيارة و المبالغة في طقوس لم يعهدها الأردن و ليس لها في الإرث الديني الإسلامي مسوغ.
باختصار، إن أنتَ في الأردن فَلَكَ و لي أن نزورَ على قدمِ المساواة كل ضريحٍ و مقامٍ و آثار وموقعٍ نريده بما يتوافق و مُسَلَّماتُ البلاد والسكان.
أما ربطُ الزيارة بالسياسة وعلاقة الأردن بإيران و الشيعة فهو إقحامٌ لا وجوبَ لهُ. في الأردن جاليةٌ عراقيةٌ عريضة ومتوائمةٌ مع البلاد و فيها الشيعي و السني و ليس فيها و لا من الأردنيين من عبرَ حدود التراحم والتسامح لساحات الطائفية البغيضة. إن هذا الاستقرار و هذا الإقرار بقدرة الدولة و المجتمع البقاء فوق مرامي الخلاف قد يقود لحالةٍ من التوافق على السياحة بمفهومها الواسع للأردن حين لا تقتصر على زيارة مرقد و ضريح بل الاطلاع على باقي التراث الإنساني و الاستفادة من مقدرات الأردن في القطاع الطبي مثلاً. غايةُ الأمر هو تجاوز ما قد يسيء والوصول لما يفيد طرفي المعادلة.
نحن نرحبُ بمن يزورنا ولا نتخلف عن رعاية و حماية مقامات أسيادنا و قدوتنا للمستقبل و هم صحابة رسول الله فهم بِحِفْظِ و صَوْنِ آل البيت مُنَّزَهين عن خلطِ سيرتهم العطرة بأي سياسةٍ و أي غرضٍ دنيويٍ. و الله من وراء القصد.