ما الذي يصنع الحواجز العالية أمام الاستثمار في الأردن؟ ما الذي يمنح موظفين سلطة التعطيل بحجج التعليمات الواهية ويطلق أيديهم للعبث باقتصاد وفرص عمل وتنمية؟
من ذاك الذي يتغاضى عن تجاهلهم المقصود وغير المقصود لرسائل الدولة في تغيير كامل لنهج التعامل وجذب الاستثمار، وما الذي يمنع الحكومة من إجراء مراجعة شاملة وفورية تضع يد الإصلاح والتصحيح على جروح الترهل النازفة؟ أسئلة مؤلمة لدولة ليس أمام اقتصادها وبطالتها وفقرها سوى تدفق عاجل للإستثمار.
وصلتني شكاوي مؤلمة من رجال أعمال مستثمرين، خلاصتها أن معاملاتهم تركض بين الوزارات منذ زمن دون حل، وانا على يقين من أن لهذه القصص أشباه ونظائر وملفات علاها الغبار والتراب في الأدراج التي عبأها الترهل وعلى الطاولات المكتظة بالروتين.
عشرات القرارات والتعليمات والتعميمات، مخلوطة بوزارت وهيئات ومؤسسات وخطط وبرامج تصحيح ومصفوفات هلامية، اختصت جميعها بعلاج شاف وناجع لداء الاستثمار في هذه البلاد، ولم تصنع شيئا في الواقع الهزيل، حيث ترتبط معاملة الاستثمار أياً كان حجمها، بروتين قاتل بطيء، وحسابات أخرى تتعلق بالمصالح أحيانا وبضيق الرؤية وانتفاء الحصافة والجهل أحيانا أخرى.
يسيطر الأرتباك على المشهد الإستثماري على الرغم من وجود حواضن استثنائية مشجعة في هذه البلاد.
ففضلا عن العوائق التقليدية في انتفاء رؤية محددة وهادفة، وارتفاع كلف الطاقة وأزمات الإقتصاد العالمي، إلّا أن الاستثمار هنا قد تكبّل بقيود إضافية من البروقراطية وتعدد المرجعيات، وما الديكور الهلامي المسمى بالنافذة الاستثمارية الواحدة، سوى مُمَاذَقَة وختل وتمويه على المشهد المرتبك، ذاك الذي يطلب من رجال الإستثمار جولات يومية للحصول على موافقات متعددة يفترض أن تكون توقيعا واحدا في التموذج الاستثماري الناجح.
كل يوم، وفي كل لقاء، يؤكد جلالة الملك على التغيير في هذا السياق. إن جلالته مؤمن أن إصلاح الجهاز الإداري المختص بالإستثمار ومضاعفة الجهود، هو السبيل الوحيد نحو تعافي الإقتصاد. وبينما تكتظ أحاديث الصالونات والمساءات بضرورة وضع حد حازم للترهل وعوائق الاستثمار، والتغني بتسهيلات ليست موجودة سوى على الورق، فلا أحد يرغب بالتنفيذ ولا أحد يقرأ خططا ناجعة لدول مجاورة يعيش اقتصادها ما يعيشه اقتصادنا من تراجع وجمود.
في الواقع المؤسف نرى أن لا أحد من أولئك المترهلين يعنيه شأن وطن ولا يهمه انتعاش اقتصاده ولا توليد فرص عمل لأبنائه، ما لم يكون أحد المتكسبين. تلك جرائم لا تقل عن جرائم الخيانات وطعن الأوطان في خواصرها.
تقول إحدى الدراسات التي حملت عنوانا يتعلق بتطوير بيئة الاستثمار في الأردن، "أنّ الاستثمار في الأردن يواجه الكثير من العقبات، مثل أنظمة النقل أو الخدمات اللوجستية أو الجمارك غير الفعالة أو غير الكافية وضعف الشبكات في مجالات الاتصالات والأسواق المالية وتكنولوجيا المعلومات، والسلوك المعادي للمنافسة من قبل اللاعبين الرئيسيين في السوق أو المجموعات التي تخنق الابتكار أو الإنتاجية أو نمو السوق. وأضافت الدراسة، "إنّ مستقبل الأردن، الذي يواجه تحديات اقتصادية واجتماعية، ومكافحة الفقر والبطالة، وتوفير الوظائف، يتطلب إعادة النظر في الاستثمار، وتفعيل قوانينه، واختيار الكوادر الوطنية المخصصة للعمل والولاء لخدمة البلد والمواطن وهناك بعض الحلول المقترحة للمساهمة في جذب الاستثمار للأردن".
وأزيد، أننا بحاجة لثورة بيضاء في اختيار كوادر تتعامل مع المستثمر في نافذة واحدة، لها صفات الإخلاص للوطن والولاء له، وتشريعات مختلفة تضمن ردعا حازما للمقصرين، ورقابة صارمة وطويا لأزقة ودروب طويلة ما زال على المستثمر ولوجها والمشي فيها كي يشرع في جلب المال والبدء في المشاريع، والحديث في هذا الألم طويل.