آداب الاختلاف في الإسلام (١)
د.فايز الربيع
12-07-2021 11:58 PM
الاختلاف والمخالفة أن ينهج كل شخص طريقا مغاير للآخر في حاله، وقوله، والخلاف أعم من الضد، لأنه كل ضدين مختلفان، وليس كل مختلفين ضدين، ولما كان الاختلاف بين الناس في القول قد يؤدي إلى تنازع، استعير ذلك للمنازعة والمجادلة.
قال تعالى (فاختلف الاحزاب من بينهم)
(و لا يزالون مختلفين)
(انكم لفي قول مختلف)
وإذا اشتد إعتداد احد المخالفين او كليهما بما هو عليه من قول أو رأي أو موقف وحاول الدفاع عنه وحملهم عليه سميت تلك المحاولة بالجدل، فالجدل في اللغة المفاوضه على سبيل المنازعة والمغالبة مأخوذ من جدلت الحبل إذا احكمت فتله، وهي قدرة او ملكة يؤتاها الشخص ولو لم يحظ إلا بعلم قليل.
وإذا اشتدت خصومة المتجادلين و آثر كل منهما الغلبة بدل الحرص على ظهور الحق وتعذر أن يقوم بينهما تفاهم سمي ذلك شقاقا أي كل واحد على شق مقابل الاخر (فإنما هم في شقاق)، نحن نقرأ في كتاب الله (والكاظمين الغيظ) نفهم منها كبت الغضب، والصحيح أن الصواب أن تعبر عن الغضب بطريقة مقبولة.
لقد اقتضت مشيئة الله أن تختلف الألسنة والألوان والتصورات والأفكار وكل ذلك يؤدي إلى تعدد الأفكار والآراء، فإذا كان اختلاف السنتنا وألواننا ومظاهر خلقنا آية من آيات الله، فإن اختلاف مداركنا وعقولنا آية من آيات الله، وإن إعمار الكون وازدهار الوجود وقيام الحياة لا يتحقق لو أن البشر خلقوا سواسيه.
أن الاختلاف إذا صدقت النوايا يتيح التعرف على جميع الاحتمالات وهو رياضة للاذهان وتعدد للحلول، إن من أسباب الاختلاف، اختلاف الفكر والثقافة وطريقة التفكير و المستوى العقلي و اختلاف الطباع، ومنها الجهل في امور الحوار وضحالة المعلومات ومنها الهوى (وإن كثيرا ليضلون باهوائهم بغير علم) (فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا)، ومنها التكبر والغرور فهو ينتصر للباطل ارضاء لغروره، ومنها حب الظهور من أجل أن يشار إليه ومنها اختلاف اللغة وحجية الحديث و فهم النص القرآني.
إذا هناك اختلاف املاه الهوى، واختلاف املاه الحق، واختلاف يتردد بين المدح والدم، لقد وعد فرعون السحرة أن يكونوا من المقربين، ثم اختلف معهم عندما اتبعوا الحق، من القواعد العامة أنه لا يجوز الاختلاف في كتاب الله، ولا ما هو معلوم من الدين بالضرورة، وهو جائز في التأويل و الأمور الاجتهادية.
يعذر المخالف إذا كان لديه معرفة بسيطة وجهل في بعض الامور عندما توضح له يكف عن المخالفة، أما في الحسد والبغي والمراءاه والانتصار للنفس، فهي أمور من الصعب أن يحل فيها الخلاف، وما اختلف فيه الا الذين اوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم)
إن مصادرة الرأي الآخر لن يحقق إلا تمزيق الأمة، وتفتيت وحدة المجتمع وخلق الفتن والصراعات، ولكن احترامه يؤدي إلى التقدم والإبداع والإبتكار، يقول أبو حنيفة (كنا نناظر وكأن على رؤوسنا الطير مخافة أن يزل صاحبنا) ويقول الشافعي (ما كلمت أحدا إلا أحببت أن يوفق ويسدد ويعان)، ويقول (كلامي خطأ يحتمل الصواب وكلام غيري صواب يحتمل الخطأ) وفي مناقشة الغزالي للفلاسفة يقول (قرأت ما عند كل القوم من أدله، ثم أضفت من عندي ما يقوى ادلتهم في رأيهم ثم نقدتهم نقد الخبير)
أن الاختلاف انقلب عند مسلم عصر التخلف وسيلة للتآكل الداخلي والإنهاك وفرصة للإقتتال حتى بلغ حد التصفية الجسدية والانتصار لأعداء الأمة على بعضها، لقد وصل بعضنا إلى القول (كذاب ربيعة أفضل من صادق مضر)، مما يؤدي إلى الفجور في الخصومة فالانشغال بعيوب الناس لم يدع لنا فرصة للتأمل في بنائنا الداخلي.
لقد اختلف المسلمون في بعض تاريخهم لكنهم لم يتفرقوا ولم يؤدي الاختلاف إلى خلاف، وفي حين الآخر اختلفوا واحتكموا إلى السيف وكان المشركون أقرب إليهم من الاستجارة من المسلمين.
ان ازمتنا أزمة فكر، ومشكلتنا في عدم صدق الإنتماء (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم)، لقد انقلبنا الى امة مستهلكة حتى للأفكار وفقدنا الجوامع المشتركة لأن اختلاف الآراء لا يمنع اجتماع القلوب.
ان حالنا مع الإسلام اليوم كحال ضرير مرت يده على فيل فاعتبر الجزء الذي مر عليه هو الفيل، فتفرقنا واختلفنا، ادار بعضنا ظهره للإسلام كليا، وأخرى تفرقت وكل منها يدعي انه هو الاصوب، والكل تحت عصا العدو هذا يضرب على رأسه وذاك على يده وذاك على رجليه كل بحسب تأثيره.
(الرأي)