لقد بدا جلياً من مسار المفاوضات الطويلة والشاقة بين دولة المصب ( مصر والسودان ) ودولة المنشأ (أثيوبيا) ، أن الأخيرة ماضيةٌ بكل صرامة ٍ وتعنت ٍ في استكمال بناء سد النهضة واستكمال التعبئة الثانية وتشغيل السد من أجل إنتاج الطاقة الكهربائية ؛ بالرغم من الجهود المضنية من قبل المجتمع الدولي للوصول لتسوية مرضية لكافة الأطراف .
ولعل هذا التعنت والصرامة من الجانب الأثيوبي نابع من الدعم المتواصل من الأطراف الممولة للمشروع والتي لها أهداف استراتيجية طويلة الأمد ، وكذلك من الإنحياز النسبي من قبل الإتحاد الإفريقي لأثيوبيا .
لا ريب أن الإستفادة من مياه النهر حق مشروع للجميع وهو ضرورة ملحة تقتضي العدل في التعامل معها بما لا يُضيق الخناق ويضر بالمصالح الأخرى ، وهذا السد بوضعه الحالي وبدون اتفاق حقيقي يخدم الجميع فيه مضرة محققة للجانب المصري والسوداني .
فالحاجة ملحة وضرورية للتوصل لتفاق نهائي من خلال الوسائل كافة السياسية والعسكرية ، والجلي من المسار القائم حاليا أن الأفق السياسية قد انتهت بدو نتائج واضحة .فلم يبقى إلا الخيار العكسري .
النظرية المطلوب تطبيقها هي (( الضروريات تبيح المحظورات )) ؛ فالحاجة لبقاء الوجود البشري والإقتصادي في دول المصب ضرورية حتمية وإذا ما تبين وجود مضرة أو اجراءآت تتخذ من أجل التأثير على هذه الضرورة فلابد من تتبع ما هو محظور للمحافظة على تلك الضرورة الملحة وهذا يعني بضرورة الحال إزالة المضرة المحققة على الجانب المصري والسوداني من خلال مبدأ أو قاعدة (( الضرر يزال )) وهذه الإزالة لا تتم إلا بقدر الحاجة فقط دون تعدٍ من خلال قاعدة (( الضرر يزال بقدر الإمكان والحاجة ))و (( درء المفاسد أولى من جلب المصالح )) و(( الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف ))..فكل هذه القواعد تبني لنا النمط المطلوب لتحقيق الغاية من حفظ ضرورة البقاء الوجودي.
ولعل الخيار العسكري هو من المحظورات التي أصبحت الآن في مقام العزيمة ولكن لابد من أن تكون مقيدة بالضوابط السابقة لتحقيق الغاية المطلوبة وهو الوصول للتسوية العادلة التي تحافظ على الوضع السابق أي قبل بناء سد النهضة والتعبئة، ومن هنا نقول إن الخيار العكسري يتضمن عملية عسكرية جراحية على نمط (( العمليات التنظيرية)) بلا جروح مؤلمة أو وندوب طويلة.
وهذه العلمية لا بد أن تكون موجه لضرب المواقع الحيوية في سد النهضة ومعامل انتاج الطاقة بما لا يحقق مفسدة على دول المصب أو دولة المنشا المتمثل في حقها من استعمال المياه في توليد الطاقة والتنمية المستدامة ، وكذلك هذه العملية يكون لها رسائل متعددة واهداف استراتيجية قصيرة الأمد وطويلة الأمد.
أما الرسائل الموجهة من خلال تلك العملية فهي:
أولاً : رسائل موجه للداخل المصري والسوداني بأن حكومتا البلدين ماضيةٌ وجادة ٌفي المحافظة على حقوقهم التاريخية في الإستفادة من مياه النيل استفادة ديمومية وأنها قادرة على دفع الضرر عن شعوبهم .
ثانياً : رسائل موجه للمجتمع الدولي بأن دول المصب لم تتخذ هذه الخطوة إلا لعدم جدية الجانب الأثيوبي في تحقيق التسوية العادلة التي تضمن الإستفادة والمستدامة لجميع الأطراف ، وأن على المجتمع الدولي توجه الضغوطات الحقيقة من أجل الجلوس على طاولة المفاوضات وتوقف كافة الأعمال البنائية حتى الوصول للتسوية الحقيقة .
ثالثاً : رسائل موجه لأثيوبيا بأن دول المصب قادرة ليس فقط بتوجيه ضربة جراحية تؤخر عملية استكمال المشروع بل قادرة على تدميره ، وأن هذه العملية كصفعة قوية للرجوع لطاولة المفاوضات الحقيقية وتوقف كامل الأعمال .
أما الاهداف المرجوة فهي كما يلي :
أولاً : أهداف استراتيجية قصيرة الأمد وتتمثل في ايقاف العمل في المشروع وتأخيره بما يضمن المزيد من الوقت في شأن المفاوضات ويتيح المجال لرفع منسوب مياه النيل بعدما انخفض بشكل ملحوظ .
ثانياً : أهداف استراتيجية طويلة الأمد وتتمثل بتحقيق الإستقرار المائي ومن ثم الإقتصادي ومن ثم الإستقرار لدول المصب واستدامة الإستفادة من مياه النيل ، وكذلك تحقيق أثيوبيا غرضها من الإستفادة المشروعة لتوليد الطاقة والتنمية لشعبها من خلال التسوية النهائية المقبولة التي تحقق الغاية المطلوبة وهي الإستفادة المستدامة لكافة الأطراف الأجيال بلا تعدٍ في المستقبل على حقوق دول المصب . وهذا بالمجمل يحقق الإستقرار الإقليمي على المدى البعيد .