العروبة .. بين صلاح الدين وأردوغان ! (1-2)
د. سحر المجالي
05-06-2010 05:27 PM
حينما تحترم الأمة ذاتها، وتصون قيمها وتحمي أعرافها وتقاليدها وتحافظ على مصالحها، فإنها بذلك تجعل من سيادتها مهابة الجانب وتفرض على الآخرين إحترامها، خاصة من لدن تلك الدول والكيانات المارقة على الأعراف الدولية، والمتمردة على الأنظمة والقوانين الإنسانية، والتي تسقط من حساباتها كل معاني القيم إلا لغة القوة والتهديد بها، كالكيان الصهيوني ودولته العبرية.
لقد وجد هذا الكيان في ضعف الحائط العربي، وتمزق الامة، و تواصل الإفلات من العقاب والمحاسبة وكراً خصباً « لعربدتها» وإمتهانها للإنسان العربي والمسلم، كرامة وقيماً وعقيدةً، فالكل سواسية أمام المطامح الصهيونية ومطامعها، ما داموا يحملون الجينات العربية ويشهدون بأن الله واحد أحد ويتكلمون لغة الضاد وينحدرون من ذرية إسماعيل عليه السلام .
وكما لم يكن يتوقع « ريتشارد قلب الأسد» خروج صلاح الدين الايوبي، ذلك المسلم الكردي، من بين أنقاض التردي العربي إبان قهر الصليبيين للعرب والمسلمين في فلسطين، ويعيد للعرب والمسلمين كرامتهم وهيبتهم ويحرر قدسهم من براثن الإحتلال الصليبي. يبدو أن الإرهابي والصهيوني « بنيامين نتنياهو» أخضع حساباته بناءً على معطيات الواقع العربي الراهن، والتي تشكل عامل إغراء وجذب لكل من تسول له نفسه ممارسة ساديته على العرب، وجوداً وثقافة وتاريخاً، ولم يكن في وارد حسابه بأن الأمة العربية و الإسلامية تنهض من تحت الرماد، وقد تنتفض على من يستبيح حرماتها ومقدساتها.
فحينما نفذ الجيش الصهيوني عدوانه الغاشم والسافر على قافلة الحرية المتجهة لغزة الصابرة الصامدة، وقتل من قتل وجرح من جرح، في المياه الدولية وفي عرض البحر المتوسط الذي كان ذات يوم بحيرة عربية-اسلامية حتى آخر عهد الدولة العثمانية، هذه القافلة التي تحمل بعضاً من إحتياجات شعب غزة المحاصر والجائع والمقهور، نتيجة للسياسات الصهيونية، لم يكن يعلم هذا الصهيوني بأن الأمة التركية المسلمة امة عظيمة، وإذا كانت مشاريعه الإستعمارية تجد لها أرضية مناسبة في خارطة التيه العربي، فإن حفيد السلطان عبدالحميد الثاني، الذي يملك شرعية الخلافة الإسلامية، رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان، والشعب التركي المسلم كانا له بالمرصاد.
فقد كان الرد العثماني سريعاً وحاسماً وواضحاً. حيث إجتمع مجلس الأمن الدولي في بضع ساعات، وبطبيعة الحال ليس نتيجة للدور العربي، وإنما إحتراماً للعامل التركي، في اللحظة التي تلكأت الجامعة العربية ولم ينعقد مجلسها إلا بعد أن إجتمع مجلس الأمن بأكثر من عشر ساعات، في حين كان من المفروض أن يبقى مجلسها في حالة إنعقاد دائم في مثل هكذا أخطار محدقة.
كما ساهم اللاعب التركي في تعرية الصهاينة وفضح سياساتهم امام الرأي العام الدولي، حيث جاء الرد الدولي شاجباً ومندداً بالسياسات العدوانية الصهيونية، ولم يأت ذلك لسواد عيون العرب، وإنما متناغماً ومتفاعلاً مع أهمية الدور التركي، إقليمياً وإسلامياً ودولياً.
لقد وضع الموقف التركي شرعية وجود هذا الكيان « المسخ» في مركز التساؤل، وعرى إدعاءه بالحضارة، والتسلح بما يسمى بالأنظمة والقوانين الدولية، وحشره في وكر تصرفات عصابات المافيا والقراصنة، وحتى هذه العصابات فإنها أسمى واجل وارفع من الصهاينة، فهي تقتل وتنهب من أجل لقمة العيش كما كان الصعاليك ذات يوم في تاريخنا، أما قرصنة هذا الكيان فهي إرهاب الدولة المنظم.
كما أكد أردوغان بأن الصداقة التركية مهمة وعداوتها خطيرة وأكبر مما يتحملها كيان، كان حمله وفطامه ونشأته وبقاؤه خارج سياق التطور الطبيعي للامم والشعوب، وبخلاف كل أنواع النشأة للدول والكيانات السياسية. فقد ولد على يد « الداية» البريطانية والتي لا تملك شرعية ممارسة المهنة، واستمرت نشأته في حضانة الخداج الأمريكية، والتي يعتمد استمرار رعايتها له على الواقع العربي المرتهن لإرادة الأجنبي وجلاوزة النظام الدولي.
وكما أنقذ صلاح الدين الإيوبي بالأمس عروبتنا وحرائرنا وعقيدتنا وإسلامنا، فهل سيعيد التاريخ نفسه ويصبح رجب طيب أردوغان .. أعتقد انه كذلك.
Almajali74@yahoo.com
(الرأي)