بين يدي لجنة الاصلاح: الضمانة الملكية فرصة ذهبية
د.هشام المكانين العجارمة
08-07-2021 05:02 PM
على هامش تشكيل اللجنة الملكية لإعادة النظر في منظومة الإصلاح وما أوكل إليها من توجيهات سامية بضمانة ملكية نأمل أن تحقق مخرجاتها الغايات الملكية المرجوة وعلى نحوٍ تنسجم ومطالب الشعب الذي بات أكثر تعبيراً برغبته بالاصلاح الحقيقي أكثر من أي وقت مضى، لاسيما بعد تنامي مشاعر الخذلان البرلماني وما أصاب العمل السياسي برمته من تردي منذ سنوات خلت يعترف به السياسيون أنفسهم قبل الشعب. على هامش هذا وما سبق ذلك خلال انتخابات مجلس النواب التاسع عشر، وتدني نسبة الاقتراع بشكل عام في المملكة، وتعبير غالبية كبيرة من الذين قاطعوا المشهد الانتخابي برمته بتردي المشهد، وفي ضوء المخرجات المتكررة لقانون الانتخاب بشكل عام على مستوى الوطن، والمطالبات الحثيثة بضرورة تعديل قانون الانتخاب، فإن العمل على تعديل قانون الانتخاب يُعد حاجة ضرورية وأولوية قصوى وأول لبِنة في بناء الاصلاح السياسي- إذا كان الاصلاح مطلباً حقيقياً.
وهنا، لا بد من الاشارة إلى أن تعديل قانون الانتخاب قد جاء كذلك على لسان جل السادة النواب، ويبدو في الأمر احساساً منهم بنبض الشارع الذي أفرزهم، لا سيما أن البعض منهم وصل قبة المجلس بشق الأنفس منهم ومن مؤازريهم، والحقيقة التي يصعُب انكارها هي أن القانون المعمول به حتى تاريخه وبمخرجاته لم يحظى بالقبول المجتمعي منذ العمل به بدورته الأولى، وقد استنكر جُلُّ المجتمع العمل به للمرة الثانية، وقد يكون للظروف التي نعيشها منذ سنوات خلت تحديداً وما نمر به من تحديات جسام على المستويات الصحية والاقتصادية والسياسية والتشريعية علاقة وثيقة تُبرر العمل بقانون الانتخاب للمرة الثانية.
كل هذا ولم يأتي العمل بضرورة تعديل قانون الانتخاب صراحة على لسان الحكومة، كما أنه لم يُدرج في برنامج عمل الحكومة، وهذا قد اتضح في معرض رد دولة الرئيس الخصاونة على مناقشات السادة النواب إبان المناقشة على البيان الوزاري، بل أن صاحب الدولة ترك الأمر في طرحه من عدمه للسادة النواب، وذلك على حد تعبير دولته: "أن الحكومة على استعداد للنظر فيما يقدمه المجلس من مشاريع قوانين".
بدوره أخذ صاحب الجلالة على عاتقه وهو الأكثر اطلاعاً على واقع الحياة السياسية ومخرجاتها توجيه الحكومة لأولويات العمل، كما أمر جلالته بتشكيل لجنة ملكية لإعادة النظر في القوانين الناظمة للعمل السياسي وعلى رأسها قانوني الانتخاب والاحزاب وما يتصل بهما من قوانين أو تعديلات، وهنا أتساءل: هل سيكون تعديل قانون الانتخاب الذي جاء بأمر ملكي وتعمل عليه لجنة الاصلاح المنعقدة ملبياً لحاجة الشعب وظروف المرحلة؟
هل سيسعى السادة المشاركون بلجنة الاصلاح إلى العمل الجاد لأن يكون قانون الانتخاب المنتظر على وجه التحديد قانوناً عصرياً جاداً يعمل على معالجة التشوهات التي طالت غالبية القوانين السابقة للانتخاب؟ أم أن الأمر سيقف عند حد المشاركة باخراج قانون سيُلعن عند أول تجربة؟!
الأمر الملكي جاء واضحاً ومجال التكليف للجنة جاء جلياً لكل من إطلع عليه وفهم مضمونه وفحواه، فهل تأتي المخرجات على النحو المطلوب؟ هذا ما ستظهره الاسابيع المقبلة والمدة المتبقية لعمر اللجنة.
وفي هذا السياق، لا بد من الاشارة أننا كمتابعين للشأن العام وساعين للمشاركة في تحسين واقعه لا نشكك بنوايا السادة المشاركين بلجنة الاصلاح -بعد أن وقع عليهم الاختيار - لاسيما أنهم ذوات مقدرة ونشهد لهم حراك نشط في سبيل اشراك الجميع وأخذ ارائهم ومقترحاتهم على محمل الجد.
إن لجنة الاصلاح التي طالها كثير من الكلام منذ تحديد عددها وبروز شخوصها وقبل أن تبدأ أعمالها ومنذ لحظة تشكيلها يقع عليها اليوم وزر كبير وحمل أكبر وهي المناط بها مراجعة التشريعات ومعالجة التشوهات واجراء التعديلات المأمولة على نحو لا يفرز لغطاً مستقبلًا أو لعنة على مستقبل الوطن وشعبه ومؤسساته.
سؤال آخر يطفو على سطح التفكير: هل ستكون مخرجات اللجنة ملزمة للأخذ بها والعمل عليها أم سيكون لمجلس الامة بشقيه وجهات نظر اُخرى؟
ما مدى الرضا الشعبي المنتظر عن مخرجات اللجنة؟ أم أن وجهات نظر عديدة ستلوح بالافق حينها؟
هل ستناقش اللجنة مطولاً العمر الذي يسمح به للمواطن في الترشح للبرلمان رغم قناعتي بأن النضج السياسي لا يرتبط بعمر- قلّ ذلك العمر أو كبُر - علاوة على أن مسألة اختيار المرشح تقع أولاً وأخيراً على عاتق المواطن المقترع وقناعاته الفكرية بصرف النظر عن سن المترشح للمقعد النيابي.
أقدر لأعضاء اللجنة الكرام سعيهم للأخذ بأي اقتراح يقدم لهم وللجنة مكتوباً كان أم شفهياً ورقياً كان أم الكترونياً، لا سيما أن جميع ما يُقدم يستوجب الانتباه إليه ومراعاته قُبيل التوافق السياسي والشعبي المأمول.
ولذلك فإنني ومن باب ابداء الرأي والتعبير الذي كفله لي الدستور أرى كما غيري بأن من أهم ما يستوجب تعديل قانون الانتخاب حصراً ما
يتمثل بالنقاط الآتية:
- القانون الذي لا يدفع المواطن للمشاركة في المشهد السياسي والتفاعل معه يجب أن يُعدّل.
- القانون الذي رُسم على أساس ضرورة توزيع مكاسب التنمية ولم يحقق شيئاً للتنمية المنشودة يجب أن يُعدّل.
- القانون الذي يحرم المرشح الذي يحصل على أعلى الاصوات من النجاح مقابل السماح بنجاح آخر بأصوات أقل بحسب نظام القوائم يجب أن يُعدّل.
- القانون الذي يحرم مواطنين أردنيين وموظفي القطاع العام المعينين مثلاً من الترشح شريطة تقديم استقالاتهم من وظائفهم وقبولها يجب أن يُعدّل.
- القانون الذي لا يشترط الدرجة الجامعية الأولى للمترشح للانتخابات البرلمانية على أقل تقدير يجب أن يُعدل.
- القانون الذي لم يراعي نسبة الكوتا النسائية بين العاصمة والمحافظات الكبيرة من جهة والمحافظات الأخرى من جهة أخرى يجب أن يُعدّل.
- القانون الذي يحرم مناطق بأكملها من التمثيل يجب أن يُعدّل.
- القانون الذي يفرز من يفتقر لأبسط أبجديات العمل البرلماني وأخلاقياته يجب أن يُعدّل.
- القانون الذي جمع مناطق مختلفة ومترامية وتعداد سُكاني مهول دون أن يُراعي طبيعة النسيج المجتمعي واختلاف مكوناته يجب أن يُعدّل.
- القانون الذي يفرز غالباً ذوات بأعينها ولا يُحدد عدد الدورات القصوى المسموح للنائب فيها لأن يكون نائباً يجب أن يُعدّل.
- القانون الذي تطال نتائج العمل به في كل مرّة ذات المآخذ وتلوح في أُفقه ذات الشوائب يجب أن يُعدّل.
- القانون الذي يدفع المال الأسود لأن يكون حاضراً في المشهد الانتخابي وبقوة يجب أن يُعدّل.
- القانون الذي يدعم التشكيل الوهمي للقوائم ويسّوغ الاختيار الفردي في الاقتراع بعيداً عن البرامج الانتخابية يجب أن يُعدّل.
- القانون الذي لا يتيح فرص الاقتراع والترشح إلّا وفق نظام القوائم الشكلية -حزبية كانت أو غيرها- ويمنع فرص الترشح الفردي يجب أن يُعدّل.
- القانون الذي لم يُكرس للحزبية معنى إلّا قولاً يجب أن يُعدّل.
هذه المُبررات وحدها كفيلة بضرورة تعديل القانون فكيف إذا حضرت الارادة السياسية في ذلك أو تم التمعن بتفاصيل أخرى!
وفي سياق بدء أعمال اللجنة وشروعها بالنظر فيما يتوافر لديها من بيانات ومعلومات واستقرائها لواقع الحال وما سيسفر عن اجتماعاتها من توصيات فإن
تساؤلات عدّة تُثار اليوم، لعل من أهمها: هل سيتم تبني مخرجات اللجنة كما ستوصي بها اللجنة؟ ما هي حدود مجلس الامة في ذلك؟ هل سيكون للوجوه النيابية الجديدة دور فاعل وكلمة مختلفة؟ ماذا لو سمحت التعديلات المأمولة بالترشح الفردي إلى جانب الترشح على أساس القوائم؟ ماذا عن مقاعد الكوتا؟ هل سيتم اختزالها أم الابقاء عليها تحت ما يسمى بضرورات التمكين؟ وماذا لو تم حصر عدد المقاعد النيابية بالنّسمَة البشرية والتعداد السكاني؟ وماذا أكثر لو تم تقسيم دوائر المملكة الانتخابية حسب الألوية؟ لا سيما أن العقل الانتخابي لبعض الناخبين لا يقتنع بغير الاختيار الفردي ولا يتجاوز حدود المكان الذي يعيش فيه غالباً، وماذا أكثر لو انتهت توصيات اللجنة بما لا يمكن تخيل نتائجه لحظة التطبيق أو التجريب كما يشير لذلك البعض؟ لا شك بأننا سنبقى ندور في ذات الدائرة.
من هنا، أعتقد جازماً بأن جودة التعديل باتت مطلباً كذلك يستوجب الاسراع فيه على أن لا يُخل الاسراع به بجودة المُخرجات؛ فبالرغم أننا لا نملك ترف الوقت لكننا بحاجة لقوانين ناضجة قوية، فالمواطن الأردني توّاق للتعديل وينتظره على أحر من الجمر، كما أنه توّاق أكثر لبرلمان قوي يُمثله لا يُمثل عليه، علاوة على أمله بالنزاهة التي طال انتظارها والاصلاح المنشود في المسيرة السياسية فهل نستثمر الضمانة الملكية أم نهدرها؟
اكتب هذا للأمل بالغد، فهل للغد إشراق جديد؟.
حفظ الله الأردن أرضاً وقيادةً وشعبا