عادة ما يغرقنا علماء السلوك وراصدي الظواهر الاجتماعية بتقارير وقصص عن الشباب في العالم العربي، والتأثيرات السلوكية السيئة التي يستقطبونها، وهذا بلا شك يشكل ظاهرة خطيرة، لكن ما هو أخطر ما يجري في عالم افتراضي غير عالم الواقع الذي نعيشه، وأقصد عالم الانترنت، وغرف الحوار والدردشات.
طيلة أسبوع كامل، قمت بتفريغ وقتي لدراسة الظاهرة عمليا، وعلى أرض الواقع، أو بالأحرى على شاشة الواقع الافتراضي.
أسبوع كامل ملأني بالدهشة والصدمات، مما رأيت وقرأت وسمعت في غرف الحوار العربية، والتي انقسمت بين انحلال أخلاقي مرعب يعيشه الشباب العربي، وبين انحطاط في الحوار السياسي والطائفيات المركبة التي تملأ نفوس هؤلاء الشباب.
ما يحدث في بغداد، أو غزة، أو أي مكان كوارثي في العالم العربي ونراه على الفضائيات ليس إلا ما يظهر من جبل الجليد على السطح، أما في الأعماق فالكارثة أكبر، وربما تكون هي الجذر الأساس لكل هذا الغضب العربي المحشور في صدور الشباب العربي.
هذه الغرف، بلا رقابة حصيفة، ولا نعني هنا رقابة سلطوية، تمنع تدافق الحوار الحر، لكن نعني رقابة تدير الحوار بشكل متمدن بعيد عن التشنج والعصبوية.
الغرف مشحونة بالتوتر، وفي كل غرفة مئات الشباب العربي من الجنسين ومن خلفيات وهويات متنوعة، وأقل كلمة تلقى في بياض الغرفة، تشعل نارا من الغضب لا تنتهي...!! والنتيجة حوارات مقززة وعصبوية، تؤجج الكراهية في النفوس، بدلا من إطفائها.
لا أحاول طرح حلول، ولا أطلب حلولا ساذجة، فأنا مدرك لتعقيدات عالم الانترنت، لكن لا بد من البدء من بدايات ما، فلنقل في الأسرة مثلا، عملية توعية ومراقبة حكيمة للأولاد واليافعين الذين يرتادون غرف الحوار، وتشجيعهم على الحوار الحر والمسؤول والمتمدن.
حملات توعية من نوع آخر في المدارس والمؤسسات التعليمية في العالم العربي.
إن وضع استراتيجية عربية من الجامعة العربية مثلا،لمعالجة ظاهرة كتلك قد يكون أجدى ألف مرة من كل مبادرات الحل السلمي البائسة، والتي تتكسر على حائط من الغضب والتطرف، وربما في عالم الانترنت نجد الأسباب.
M_abuobaid@yahoo.com