نوفل بعد بنات .. تعددت السلطات والموت واحد
عريب الرنتاوي
07-07-2021 02:04 AM
لم تمض سوى أيام قلائل على جريمة "تصفية" نزار بنات، بوحشية ودم بارد، على أيدي أجهزة السلطة في رام الله، حتى داهمتنا الأنباء من غزة، حاملة معها، جريمة قتل شادي نوفل، في سجون حماس وعلى أيدي أجهزتها الأمنية...القتل واحد، وإن اختلفت وجوه القتلة، وتعددت سلطاتهم ومرجعياتهم وأجهزتهم...والقتل في السجون أو خارجها، مرفوض سواء أكان القتيل معتقل على خلفية سياسية أم جنائية...والقتل جريمة نكراء، سيما حين يصبح فعلاً متكرراً، هنا وهناك.
ما زالت رام الله والضفة الغربية، في حالة غضب واعتراض على استشهاد بنات، المناضل الفلسطيني بأيدٍ فلسطينية...في غزة، ثمة مظاهر غصب، لم تصل بعد إلى مستوى الخروج إلى الشوارع والميادين للتظاهر احتجاجاً، سيما وأن الضحية موقوف على خلفية جنائية على ما يبدو...لكن من المعروف أن قبضة حماس في غزة، لا تقل قسوة من قبضة السلطة في رام الله، وربما يكون تلك أسباب تحول دون تطور مظاهر الغضب والاستنكار.
في واقعة نزار بنات، ذرفت حماس دموعاً كثيرة، وجعلت منها الجريمة، مدخلاً لتسوية حساب مع "غريمتيها": فتح والسلطة...ويمكن التأكيد بأنها أوعزت لكل من تصله دعايتها، بضرورة التحرك لـ"شيطنة" السلطة...مع أنني أختلف مع السلطة بزعمها أن كل ما جرى في رام الله والضفة، فعلٌ مشبوه منسوب لحماس وأطماعها...ربما تكون حماس حاولت توظيف الجريمة لغاية في نفس يعقوب، ولكن الجريمة هزت عقول وضمائر فلسطينيين كثر، بعضهم مناهض لحماس، ولا ينتمي لأي من مرجعياتها.
اليوم، من المتوقع أن تذرف دموع غزيرة في رام الله والضفة، من قبل السلطة وفتح ومن يدور في أفلاكهما، وربما يُنسب لنوفل ما ليس فيه أو له...أولاً للتغطية على قضية بنات وسحبها من التداول، وثانياً لـ"شيطنة" حماس في المقابل، وثالثاً للقول "ما في حدا أحسن من حدا"، فلا ترجمونا بالحجارة وبيوت خصومنا من زجاج...والحقيقة أن ذرف الدموع بدأ فعلياً، ومن المتوقع لها أن تتدفق مدراراً.
الانقسام لم يكن سبباً في إلحاق أكبر الضرر بوحدة الفلسطينيين الوطنية ومستقبل مشروعهم وصورتهم ومكانتهم، الانقسام كان منذ اليوم، سبباً في تجذير أساليب الحكم السلطوية والقمعية، على ضفتي الانقسام سواء بسواء...لا أحد بريء من قمع الفلسطينيين ولا من دمائهم...السلطات غير الشرعية، لا يتبقى لها في العادة، غير المزيد من القمع، لإدامة سلطتها، وتعزيز قبضتها...تلكم حكاية ضاربة القدم في تاريخ الشعوب وتجاربها...الانقسام وبالٌ على حقوق الفلسطينيين وكراماتهم وحرياتهم و"آدميتهم".
أسوأ ما في واقعتي مصرع بنات ونوفل، أنهما تأتيان بعد أسابيع قليلة من أعظم انتفاضة بطولية وحدت الشعب الفلسطيني في مختلف أماكن تواجده وانتشاره، في وطن المحتل والشتات...تزامناً مع اندلاع أوسع حملات التضامن الدولي مع شعب فلسطين...ما الذي سيقوله "سدنة المعابد" في رام الله وغزة، لشعبهم وللرأي العام العالمي المتعاطف مع قضيتهم وكفاحهم؟...وبأي عين سينظر هؤلاء إلى في وجوه أبناء شعبهم الشباب منهم بخاص، وبأي نبرة سيتحدثون مع العالم عن جرائم إسرائيل وعدواناتها وانتهاكاتها؟...لقد ألحقوا الخزي بأنفسهم وشعبهم وقضيتهم...أحرار فلسطين الذي علموا البشرية درساً في التضحية والفداء، وقدموا أفضل الصور للعين والكف اللتان تقاومان المخرز...أطفال فلسطين الذي تحولوا إلى أيقونات في الشيخ جراح وباب العامود وسلوان، لا يستحقون هذه المعاملة الرديئة من قبل أناس أعمت السلطة والهيمنة أبصارهم وبصائرهم، ويستحقون سلطات أفضل وقيادات أنقى...شعب فلسطين منكوب بقياداته، وليس بالاحتلال الجاثم على صدره فحسب.