المياه .. مشكلة لا تحتمل التسويف وحلولها مشوبة بالتعقيدات
د. إبراهيم بدران
06-07-2021 01:34 AM
تتفاقم أزمة المياه يوما بعد يوم، وتزداد وطأة التغيرات المناخية قسوة باتجاه ارتفاع درجة الحرارة وقلة الامطار. وكان اجتماع “قمة الشام الجديد” قبل أيام وشاركت فيه ثلاث دول هي الأردن ومصر والعراق، وتعاني نقصا شديدا في المياه، والأردن أشدها معاناة.
وعلى مدى السنوات الماضية فإن الدول الإقليمية المحيطة بالدول الثلاث راحت تسيطر على “مياه الشام الجديد” من خلال مشاريع مائية ضخمة، سواء كنا نتحدث عن تركيا أو إيران أو اثيوبيا أو إسرائيل.
وكان المأمول أن يصدر عن القمة قرار مشترك بالتعاون المؤسسي بين الدول الثلاث في موضوع المياه سواء من حيث التحلية أو التدوير أو السدود أو التكنولوجيات الجديدة وغير ذلك، خاصة وأن الملك عبدالله الثاني أشار إلى ضرورة التركيز على الابعاد الإستراتيجية.
سيبلغ العجز لدينا في مياه الشرب لهذا الصيف 40 مليون متر مكعب، ومن هنا فإن السؤال الذي يتكرر بإلحاح: ما العمل؟
تبذل وزارة المياه والري جهودا مشكورة للتغلب على الازمة من خلال مداخل رئيسية أربعة: الأول: حفر آبار جديدة واستئجار آبار من القطاع الخاص لتعزيز كميات المياه وتزويدها للمواطنين، وكذلك الحصول على جزء بسيط من المياه الإضافية من إسرائيل بعد حصولنا على كامل حقوقنا المائية من بحيرة طبريا، وهو أمر يحتاج إلى المراجعة والتفكير والحذر.
والمدخل الثاني، العمل على زيادة الضخ من حوض الديسي وبالتالي زيادة كميات المياه المسحوبة إلى وسط وشمال المملكة، وهذا يتطلب إمكانات مالية (كما يقول وزير المياه) ولن يتحقق هذا العام.
والثالث: مشروع الناقل الوطني من العقبة والذي سينتج 300 إلى 350 مليون متر مكعب سنويا من المياه العذبة وتقدر كلفة الانشاء بـملياري دينار.
وحسب تصريح وزير المياه “يمكن توفير جزء من الكلفة من المنح والمساعدات وتجرى المباحثات مع البنوك لتمويل المشروع إضافة إلى إمكانية طرح أسهم للمساهمة في المشروع”.
أما المدخل الرابع فهو التفاوض مع الجانب السوري لزيادة كميات المياه من نهر اليرموك ليأخذ الأردن جزءا من حصته المتفق عليها منذ العام 1987.
وحقيقة الأمر أن هذه المداخل على أهميتها، يشوبها الكثير من الصعوبات والعقبات التي تجعلها غير قادرة على حل الأزمة بسرعة كافية.
فالأحواض المائية الوطنية تم استنزاف معظمها ولم يبق سوى حوضين من أصل 12 حوضا هما الديسي الأزرق، وبالتالي لا يتوقع أن تكون نتائج حفر آبار جديدة كافية لسد العجز المائي لهذا العام والأعوام القليلة المقبلة.
كذلك فإن زيادة الضخ من حوض الديسي يتطلب استثمارات إضافية ولن يتحقق هذا العام كما تقول وزارة المياه، اما مشروع الناقل الوطني فإن التعويل عليه لمواجهة العجز خلال فترة قصيرة سيكون صعبا للغاية بل غير واقعي، فالكلفة مرتفعة وليس من السهل توفير ملياري دينار خلال فترة قصيرة وبشروط معقولة.
من جانب آخر فإن إسرائيل ستحاول وضع العراقيل أمامه بحجة التأثيرات البيئية، تماما كما وضعت العراقيل أمام قناة البحر الأحمر والبحر الميت، لأنها تسعى لأن تكون هي القوة المسيطرة على مياه الأردن وفلسطين والمزود لجزء مهم من المياه الأردنية، حتى تشكل المياه والغاز رافعة إستراتيجية وسياسية بالغة القوة بيدها، علمأ بأن إسرائيل تعتمد على تحلية المياه وبنسبة 56 % من مجمل استهلاكها ولديها 5 محطات تحلية مياه تنتج 585 مليون متر مكعب، ويتوقع ان تعمل الولايات المتحدة على الضغط غير المباشر على الأردن باتجاه شراء المياه من إسرائيل كما فعلت في موضوع الغاز. وهكذا فإن مشروع الناقل الوطني على أهميته إلا أنه من غير الممكن ان يكون منتجا قبل 4 أو 6 سنوات إذا ما تم تنفيذه.
إذن، كيف سنواجه العجز المائي خلال 4 أو 6 سنوات؟ والسؤال الذي يتكرر كل يوم: لماذا لا نبني نحن محطات تحلية ونشتري المياه من أنفسنا؟
إن طرح أسهم مشروع كبير مثل الناقل الوطني للمساهمة الدولية لن يكون جاذبا في ظروف الركود الاقتصادي العالمي وعدم استقرار المنطقة، وكذلك فإن أسلوب البناء والتشغيل والتسليم بعد 20 سنة ليس بالأسلوب الحكيم في منظومة كهربائية ميكانيكية مائية معقدة لتهالك المشروع مع نهاية المدة، كما أن مساهمات المواطنين لن تتعدى عشرات الملايين، لكن طرح اسهم لمشروع صغير أو متوسط سيكون أكثر جاذبية وأسرع استجابة.
وبالنسبة للتفاوض مع سورية لزيادة تدفق مياه اليرموك إلى سد الوحدة، فهذه المياه حق لنا ولا نأخذ حاليا أكثر من 15 مليونا م3 سنوياً، في حين تتعدى حقوقنا 350 مليونا م3 سنويا، لكن الاشكال ان سورية اقامت خلال 30 سنة الماضية 42 سدا على نهر اليرموك بالإضافة الى آلاف الآبار والمشاريع الزراعية المعتمدة على مياه اليرموك.
وفي الوقت ذاته تعاني سورية من الوضع السياسي الصعب والمعقد الذي تمر به. كل ذلك سيجعل المفاوضات تأخذ وقتا طويلا، ولا يتوقع ان ينتج عنها كميات مياه ذات قيمة حقيقية.
ان الخروج من الأزمة يتطلب من الدولة تغيير اطار التفكير الإستراتيجي للمياه، والخروج من سيطرة فكرة المشاريع الضخمة (Mega Projects) على غرار المحطة النووية بكلفة 10 مليارات دينار، الى المشاريع المتوسطة والصغيرة، وسد الاحتياجات بالتراكم والتدريج، خاصة في بلد حجم اقتصاده متواضع، ومديونيته عالية.
هناك 200 بلد لديها محطات لتحلية المياه ابتداء من الولايات المتحدة الأميركية وانتهاء بدول افريقيا جنوب الصحراء باستطاعة انتاج عالمية اجمالية تتعدى 37000 مليون متر مكعب سنوياً. وكل دولة تختار الحجوم المناسبة لاقتصادها وامكاناتها، ابتداء من أكبر محطة في العالم بدءا بمحطة الجبيل في السعودية والتي تنتج 1.4 مليون متر مكعب يومياً وانتهاء بمحطات التحلية الصغيرة جدا بل المتنقلة والتي تنتج 10 أمتار مكعبة يومياً.
اما كلفة الانتاج فتتراوح بين 35 سنتا لكل متر مكعب ارتفاعا إلى 1.5 دولار للمتر المكعب. كما ان كميات المياه “الأجاج” (brine water) التي تنتجها محطات التحلية الصغيرة والمتوسطة لا تشكل معضلة بيئية تؤثر على الحياة البحرية، وبالتالي يمكن تجنب اعتراضات الدول المشاطئة، والحفاظ على البيئة.
ذلك أن الماء الأجاج سيكون في حدود 150 % من الماء المحلى. بمعنى ان محطة لتحلية المياه باستطاعة 50 مليون متر مكعب سنوياً ستنتج 75 مليون متر مكعب من الماء المالح او ما يعادل 8500 متر مكعب في الساعة في حين أن المحطة الكبيرة (الناقل الوطني 350 مليون متر مكعب) ستنتج 60 ألف متر مكعب في الساعة يصعب التعامل معها دون أثر بيئي في منطقة مغلقة مثل خليج العقبة.
لقد تواصل الحديث والكتابة والتكرار عن المياه الشيء الكثير، خاصة ونحن نتكلم عن مياه لا عن سلعة ترفيهية أو كمالية يمكن استيرادها أو تعويضها واستبدالها بشيء آخر. والمياه في أحد جوانبها تعني الغذاء ولا يريد أي أردني ان يستيقظ يوما ليكتشف ان بلاده لا ماء فيها للشرب. وهذا يستدعي اولا: ان تباشر الحكومة بإنشاء محطة تحلية باستطاعة 50 مليون متر مكعب سنوياً وبتمويل وطني من الحكومة وأسهم من المواطنين، ثانيا: تطالب الأردن الدول المانحة بتمويل محطة تحلية مياه لمواجهة احتياجات اللاجئين السوريين من المياه، ثالثا: التعاون مع وزارة الزراعة والجامعات لتطبيق جميع التكنولوجيات المولدة والموفرة للمياه في القطاع المنزلي وفي الزراعة والصناعة، رابعا: في ظروف الأردن الجغرافية والمناخية لا يوجد مشروع كبير واحد يحل المشكلة، بل إن المشاريع الصغيرة والحلول التراكمية وحسب الامكانات الأردنية هي الطريق الصحيح إلى المستقبل.
الغد