إعادة إنتاج الخاصرة الأفغانية الرخوة
د. زياد الشخانبة
05-07-2021 07:06 PM
تصعد حركة طالبان جبال المقاطعات الأفغانية بسرعة المتعطّش للنفوذ والقتال، فمنذ بدء الإنسحاب الأمريكي في الأول من أيار الماضي وهي تشن هجماتها في الليل أكثر من النهار، لتصبح هذه الحركة ذات النفوذ الديني والشعبي تسيطر على مئة إقليم من أصل 400 إقليم في أفغانستان كان آخرها إقليم بانجواي ذو الأهمية الإستراتيجية الذي يبعد 15 كم عن ولاية قندهار.
قياساً لهذه السرعة في شن المعارك وبعد شهرين فقط من إنسحاب أمريكا، فطالبان اليوم على مسافة 50 كم فقط عن العاصمة كابول التي ستسقط بيدها خلال وقتٍ قصير رغم محاولات تركيا وإيران في صد هذا التقدّم مِن خلال دعم الحكومة الأفغانية التي وحسب المعلومات بالميدان لن تستطيع الوقوف أمام هذا التسونامي الطالباني الذي حُرِم على مدار عقدين من الحرية والحركة والنفوذ.
ما سبق يعني أن أمريكا خلطت جميع الأوراق في هذا الإقليم المضطرب أصلاً، حيث جعلت الدول المجاورة لأفغانستان تعيد حساباتها سياسياً وأمنياً وهي تنتظر صراعاً جديداً مؤرّقاً وساحة حرب قادمة في آسيا، فإيران على موعدٍ مع حديقتها الخلفيّة المزعجة التي حتماً ستنشغل بها عسكرياً وأمنياً لسنوات طويلة، خصوصاً إذا ما سقطت كابول وتحوّلت الحكومة الأفغانية إلى طالبانيّة بينها وبين إيران عِداء سياسي ومذهبي وتاريخي وحسابات كثيرة كانت فيها إيران تقدّم كل الدعم للقوات الأفغانية ضد هذه الحركة.
أما أمريكا فبعد عقدين تريد اليوم قطف ثمرة أخرى، فالتصريحات من البنتاغون والخارجية محتواها خجول وغامض بخصوص تسارع نفوذ طالبان التي كانت أمريكا تقاتلها، وكأن العُرف الأمريكي مستمرٌ في الإنقلاب المفاجئ على الحلفاء والتحالف مع الأعداء، لذا تحوّلت حكومة كابول إلى صديقٍ لإيران وتركيا ضد طالبان التي تدعمها باكستان، علماً أن داخل باكستان تتواجد حركة تُسمى "طالبان باكستان" وهي تختلف عقائدياً مع طالبان الأفغانية، لذلك تقف الحكومة الباكستانية ضد طالبان باكستان بينما تدعم طالبان أفغانستان وسيكون لباكستان الدور القوي في مستقبل التطورات بكابول.
نحن أما مَشهدٍ تم ترتيبه جيداً سيجعل إيران في حالةِ إلتفافٍ إجباري نحو الشرق وبالضرورة تراجع زخمها في دول نفوذها العربي، سيما وأن دولاً عربية سعيدة بإعادة إنتاج طالبان كطريقة فضلى لإستنزاف إيران وقد تدعم هذه الخطوة خصوصاً إذا ما تم تزويد طالبان بأسلحة متطورة تستطيع فيها ضرب العمق الإيراني، كما أن هذه الخطوة تُعيد الخاصرة الآسيوية الرخوة لتكون محلاً لإزعاج جيرانها في المواقع الروسيّة شمالاً.
يُخشى أن خلط الأوراق يسير بخطٍ متوازٍ مع الإنسحاب الامريكي أينما كان، إذ نرى اليوم الإنسحاب من مواقع عربية مجاورة، ونخشى من خلطٍ للأوراق لم يُحسب حسابه ويعود علينا بمزيدٍ من المشاكل والأحدث المستجدة التي لا تستطيع الدول العربية أن تتحمّل أيُّ تخريبٍ آخر في منطقتنا التي تعوّدت على الوجود الامريكي ولا تستطيع أن ترى ظهرها مكشوفاً.