التوجيهي .. والحفاظ على هذا الارث الوطني
فيصل تايه
05-07-2021 09:33 AM
ما زالت وزارة التربية والتعليم تصرّ على الحفاظ على "الإرث التاريخي" المتمثل بامتحان شهادة الدراسة الثانوية العامة ليبقى بنفس المكانة ، امتحاناً وطنياً سيادياً ، تكافح من أجل رُقِيِّه وتسعى الى تطويرِه ، ذلك من أجل ضمان مستقبل أبنائنا الطلبة في مختلف نواحي الحياة العملية والاكاديمية ، آخذةً بعين الاعتبار المحافظة على هيبتة ومصداقيتة وثباته ، حيث تناط هذه المهمة بمجلس الامتحان العام ، الموكل برسم السياسة العامة لامتحان شهادة الدراسة الثانوية العامة واقرار المباحث التي يتقدم لها الطلبة في مساري التعليم الثانوي الشامل الاكاديمي والمهني ، والأخذ بالإجراءات الكفيلة بالحفاظ على مستواه القياسي المأمل .
في امتحان شهادة الدراسة الثانوية العامة هذا العام ، ادركت وزارة التربية والتعليم مدى خطورة الأزمة التي اثرت على ابنائنا الطلبه جراء جائحة "كورونا" وما كان لها من انعكاسات على حالتهم النفسية ، وما حملته هذه السنه الدراسية من مشاعر القلق والخوف ، وادركت أيضاً أن من الضرورة بمكان التخفيف عنهم بحيث لا يؤثر ذلك على مستوياتهم التحصيلية والمعرفية ، حيث تم اتخاذ إجراءات قررها مجلس الامتحان العام في خطوة تخفيفية مراعاة لمجمل الظروف تلك ، من ضمنها حذف "الوحدة الأخيرة" من المواد المشتركة التي هي بالأساس "مشتركة" للفروع كافة توخياً وتحقيقا للعدالة بين جميع الطلبة ، وابقت على الوحدة الأخيرة في باقي المواد الدراسية الاساسية على حد سواء ، كما وتم اعتماد الأوزان النسبية للوحدات الدراسية ، بإعطاء وزن ٥٠% لكل فصل دراسي في الورقة الامتحانية لكل مبحث ، واقرار زيادة زمن الورقة الامتحانية لكل من المباحث التي تتكون من جلستين امتحانيتين ، فيما قرر المجلس اعتماد أن الورقة الامتحانية في جميع المباحث تتكون من (٥٠) فقرة من نوع الأسئلة الموضوعية باستثناء المباحث التالية فستكون فيها نسبة الأسئلة الموضوعية ٦٠% والأسئلة المقالية ٤٠ % وهي "اللغة العربية واللغة الانجليزية والرياضيات " .
لكننا ومن خلال متابعتنا لمجربات هذا الامتحان التي تجري حالياً لاحظنا بعض التساؤلات والاستفسارات المتعلقة بطبيعه الأسئلة للمواد التي قدمت ، ومدى الصعوبه أو السهولة ، ما عكست جانباً مهماً من ردود الأفعال الايجابية تارة والسلبية تارة أخرى ، والتي يستفاد منها كتغذية راجعة على مستوى الامتحان عامة ، ما يشير الى الفروق الفردية بين مستوياتهم ، فمن الطلبة من تذمر ومنهم من شكى ومنهم من كان مرتاحاً لما قدم ، وبعضهم الآخر ذهب الى مقارنات غير متكافئة لا تنبري على اية معايير منطقية او علمية لطبيعة هذه الأسئلة ومساواتها باسئلة السنة الماضية ، لكن العصف التساؤلي الذي يطرح نفسه هنا ، والذي يأتي بمبررات واقعية وموضوعية تستند إلى طبيعة التجاذبات التي رافقت الامتحان في السنة الدراسية الماضية ، فقد كان قرار التحول الى "التعلم عن بعد" حينها قد صدر بشكل مفاجئ وكانت التجربة في طور "الحديثة" ، بحيث لم تكن الجاهزية "مكتملة" لتصل الى ما وصلت اليه الآن من استعدادات ، فقد أدركت الوزارة حينها ذلك ، وقامت بالحذف لكافة المواد "تهوينا" و"تيسيراً" على أبنائنا الطلبة ، بالرغم من ان لهذا القرار تبعات تربوية خطيرة متعلقة بالقدرة التنبؤية المستقبلية ، ما انعكس على نتاجاتهم التعلمية عند دخولهم الجامعات ، أما وقد عشنا التجربة هذا العام فلا يمكن مقارنة تجربتنا هذه مع تجربة السنة السابقة ، حيث أن نسبة جاهزية وزارة التربية والتعليم في هذه الظروف خلال العام الحالي هي "بنسب معقولة" ، من خلال جاهزية المحتوى التعليمي الرقمي "الإلكتروني" عبر القنوات التلفزيونية المخصصة لطلبة "التوجيهي" إضافة الى المحتوى الرقمي عبر المنصة الذكية لاستدامة التعليم "درسك" والتي مرت بمراحل في الاستخدام للتكنولوجيا في التعليم بشكل افضل ، مما مكن طلبتنا من متابعة دروسهم بشكل افضل مما تم تقديمه لجيل "٢٠٠٢" بالاعتماد على كوادر تعليمية متخصصة اضافة لتعزيز محتوى تعليمي علمي اكثر مرونة يطبق عبر آليات تقنية تم توفيرها ، مما أدى إلى زيادة تفاعل الطلبة ما هدف الى إكساب الطلبة المهارات التعلمية الرقمية ، وتعزيز تعلمهم النوعي .
نعود إلى القول وحسب ما تقدم ، أن لا بد من التأكيد على اننا ما زلنا نعتبر امتحان شهادة الدراسة الثانوية العامة في الاردن هو معيار للنظام التعليمي الوطني وحصيلته ، رغم الظروف التي رافقت الجائحة ، كما ولا يزل هذا الامتحان يشكل "ارثاً تاريخيا" وهو الوحيد الذي يخدم غرضين أساسيين أولهما : منح شهادة الدراسة الثانوية العامة ، حيث يتطلب هذا الغرض أن يكون الامتحان موفراً لتغطية متوازنة لنواتج التعلم المستهدفة ، أما الغرض الثاني وكما تعتبره "وزارة التعليم العالي" فإن هذا الامتحان لا غنى عنه للاستخدام لغايات القبول الجامعي ، وهذا يعني أن يكون الامتحان "متنبئ" جيد للنجاح الجامعي ، فكلما كان اكثر ارتباطاً بالدقة ، كلما أعطى النتائج المرجوة ، لذلك حرص مجلس الامتحان على أن لا يؤدي "الحذف" لأي وحدة من وحدات المواد الأساسية خاصة مواد "التخصص" إلى عدم تغطية متوازنة لنواتج التعلم المستهدفة ، وخوفاً من ان يقودنا ذلك الى ايجاد اختلال في أحد جوانب الصدق أو ما يعرف " بصدق المحتوى الدراسي " وبالتالي إذا أردنا تحقيق رغبات الطلبة واولياء أمورهم لا بد من ان نذهب الى المطالب التي لا تلحق ضرراً بصدق وثبات الامتحان او الى ما يمكن ان يخلق ضرراً قليلا "غير مؤثر" ، ذلك مراعاةً لظروف الطلبة المتقدمين ، وعلى أن لا يلحق ذلك ضرراً بمصداقية الاختبار أو بدرجة موثوقيته ايضاً ، ونحن كتربويين نعي تماماً بأن امتحان "التوجيهي" كما هو معروف "تاريخيا" في الاردن اكتسب موثوقية عالية على مستوى الأفراد والمؤسسات محلياً ودولياً .
وأخيرا ، فما زلنا نؤكد باستمرار أن شهادة الدراسة الثانوية العامة تعكس بالضرورة التطلعات والطموحات وتحقيق الآمال والأهداف التربوية المنشودة ، فهي نتاج عمليات تربوية تراكمية استمرت على مدى ١٢ عام دراسي ، حيث لا يمكن أن يقوم المتعلم أو أهله وذويه بتحديد الصورة التي يجب أن يكون عليها الامتحان ، بالرغم من الظروف التي مرت ، فكافة الجهود التي تبذل هي جهود استثنائية تتم بتعاون الجميع لتسهم في تكوين الفرد المتعلم وصولاً الى تشكيل هذا النتاج ، والذي هو هدف من الأهداف العليا التي نطمح لها ، لذلك من الضروري أن تبقى عملية تقويم الطالب في نهاية المرحلة الثانوية موضوعية ودقيقة وصادقة وتخضع لأسس ومعايير تربوية سليمة ، ضمن كل الظروف والاحوال ، وبناءً عليه فإن امتحانات الثانوية العامة هي امتحانات تحكمها بالتأكيد الخطوط العريضة الموضوعة والأهداف التربوية المأمولة ، إضافة إلى معايير عمليات التقويم والقياس التي تنص على الشمولية في الاسئلة وتنوعها وتوافقها مع مستويات التفكير العقلية عند بناء التقييم ، لتميز الطلاب بعدالة ، وأحقية الطالب المتفوق للتميز الذي يرسم لنا صورة مشرقة للنظام التعليمي الأردني ، فالامتحانات بالمجمل تناط بدور الخبرة ، وثقتنا عالية بدار خبرتنا المتمثلة بإدارة الامتحانات والاختبارات بوزارة التربية والتعليم ، والمشهود لها ذلك على مدى تاريخها الذي هو بعمر الأردن ، فما يهمنا المحافظة على السمعة الطيبة لامتحان شهادة الدراسة الثانوية العامة .
بقي أن أقول لطلبتنا الأعزاء أن الإرادة الصادقة لكل واحد فيكم ، تشبه قوّة خفيّة تسير خلف ظهره، وتدفعه دفعاً للأمام على طريق النجاح، وتتنامى مع الوقت حتّى تمنعه من التوقّف أو التراجع ، فلا شيء ضروري لتحقيق النجاح بعد التوكّل على الله أكثر من المثابرة والجد والاجتهاد لأنّها تتخطى كل العراقيل ..