أفغانستان ما بعد الإنسحاب
داود عمر داود
04-07-2021 01:00 PM
فيما تواصل الولايات المتحدة سحب بقايا قواتها من أفغانستان، أظهرت دول كثيرة أطماعها في الإستحواذ على نصيبٍ من الثروات الطبيعية الهائلة التي تنعم بها بلادٌ توصف بأنها فقيرة. وقد بدأت هذه الدول، وخاصة المجاورة، في التحرك والتعبير عن نواياها تجاه بلد مزقته الحروب منذ اكثر من أربعين سنة، بدأت بالإحتلال السوفياتي آخر عام 1979، ثم الحرب الأهلية بين فصائل المجاهدين الأفغان بعد هزيمة القوات الروسية، إلى أن جاءت أحداث 11 سبتمبر 2001 والتي اتخذتها الولايات المتحدة ذريعة لاحتلال افغانستان وإسقاط نظام حكم طالبان. وهي الحركة التي ظلت، على مدار عشرين عاماً، تقاوم الاحتلال الأمريكي الذي يوشك على الانتهاء بموجب اتفاق الدوحة بين الطرفين، الذي تم التوصل إليه في شهر شباط فبراير 2020.
الإستراتيجية الأمريكية الجديدة
ويأتي الانسحاب الأمريكي من أفغانستان ضمن الأستراتيجية الأمريكية بتخفيض تواجدها العسكري في الشرق الأوسط عموماً، والتي أُعتمدت في عهد الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما. وتضمنت هذه الاستراتيجية تركيز إنتباه واشنطن على آسيا ونقل ثقلها العسكري إلى هناك، ضمن جهودها لمواجهة الصين.
إتفاق الدوحة: انسحاب غير مشروط
لقد نص إتفاق الدوحة على الانسحاب التدريجي غير المشروط من افغانستان، وعلى رفع العقوبات الأمريكية عن حركة طالبان، وتبادل إطلاق سراح الأسرى والسجناء، وأن تعقد الحركة محادثات سلام مع حكومة كابول. يضاف إلى ذلك أن تقدم طالبان ضمانات أمنية تتعهد بموجبها أن (تمنع استخدام الأراضي الأفغانية من قبل أي جماعة أو فرد ضد أمن الولايات المتحدة وحلفائها). ويبدو أن الولايات المتحدة أقحمت هذا البند في اتفاق الدوحة كي ترسخ في الأذهان فكرة أن احتلالها لأفغانستان كان بسبب أحداث 11 سبتمبر. لكن الربط بين الإحتلال وأحداث سبتمبر هي فكرة ما زالت موضع شك، وبحاجة إلى إثبات تاريخي. هذا عدا عن أن أحداث سبتمبر أصلاً تحوم حولها الشكوك ونظريات المؤامرة على أنها مفتعلة.
عودة طالبان إلى الحكم
لقد ترك اتفاق الدوحة الباب مفتوحاً على مصراعيه أمام حركة طالبان للعودة إلى حكم البلاد، رغم وجود البند الخاص بإجراء (محادثات سلام) مع حكومة كابول. فالأوضاع على الأرض، قبيل أسابيع من انتهاء الإحتلال الأمريكي رسمياً، تشير بوضوح إلى نية طالبان إعادة تسلم مقاليد السلطة. فها هي الحركة تستعيد سيطرتها على مزيد من الولايات بكل سهولة، ويبدو أنها تواجه جيشاً حكوميا ضعيفاً قابلاً للانهيار، إذ قيل أن أفراده يتخلون عن أسلحتهم ويفرون أمام مجاهدي طالبان، مما يمهد الطريق أمام الحركة لإستعادة حكم البلاد.
ثروات طبيعية هائلة
تبلغ مساحة أفغانستان 650 الف كيلومترا، أكثر قليلا من مساحة فرنسا. وهي دولة حبيسة ليس لها سواحل على البحار، محاطة بإيران من الغرب، وباكستان من الشرق والجنوب، وتحيطها من الشمال تركمنستان، وأوزبكستان، وطاجيكستان، والصين من الشمال الشرقي. وهي بلاد ذات طبيعة جبلية وعرة، مع سهول في الشمال والجنوب الغربي.
وتنعم افغانستان بثروات وموارد طبيعية هائلة ونادرة، تشمل: الفحم، والنحاس، والحديد، والليثيوم، واليورانيوم، والعناصر النادرة مثل الكروميت، والذهب، والزنك، والتلك، والباريت، والرصاص، والكبريت، والرخام، والأحجار الكريمة وشبه الكريمة، إضافة إلى الغاز والبترول، مما يسيل له لعاب أي قوة استعمارية طامعة.
التدخلات الخارجية: روسيا وتركيا وايران
لقد أبدت القوى الخارجية المجاورة أطماعها في أفغانستان فور الإعلان عن الموعد النهائي لاستكمال الانسحاب الأمريكي، كان أولها روسيا. وقد طلب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من الرئيس الأمريكي جو بايدن، في اجتماعهما مؤخراً، أن تتدخل روسيا عسكريا في أفغانستان، بعد استكمال الإنسحاب الأمريكي. كما أعلنت عن نيتها التدخل عسكرياً في افغانستان كل من ايران، التي يبلغ طول حدودها مع افغانستان 945 كيلومتراً، وطاجيكستان التي يبلغ طول حدودها 1350 كيلومتراً. أما باكستان التي تملك أطول حدود مع أفغانستان، تبلغ 2640 كيلومترا، فتربطها علاقة ممتازة مع طالبان، وتأمل أن يستقر الوضع سياسياً لصالح الحركة، حتى لا تتجدد الحرب الأهلية وتتسبب بأزمة لاجئين تتضرر منها باكستان.
أما تركيا فهي موجودة أصلاً في أفغانستان بقوات غير قتالية، وهي مقبولة من قبل حركة طالبان ولا تُعتبر جهة معادية لها مثل روسيا وايران، ولم تتورط تركيا في قتال المجاهدين، واقتصر دورها على إدارة المطار المدني في العاصمة كابول، وتقديم الإغاثة الإنسانية للمواطنين الأفغان. وهذا يُحسب لها لا عليها، ويجعل استمرار تواجدها هناك أمراً طبيعياً، إضافة إلى أن التواجد التركي بعد الانسحاب يلقى القبول أمريكياً أيضاً. حيث عقد الجانبان التركي والأمريكي جولة مفاوضات في أنقرة بغرض التنسيق بينهما.
خلاصة القول: منع التدخلات الخارجية
ويبدو أنه من المرجح أن تعود حركة طالبان إلى الحكم، وأن يستقر الوضع لها بدعم من حليفتها باكستان. أما نوايا التدخل العسكري من قبل دول الجوار، الطامعة في خيرات أفغانستان، ومساعيها لإفتعال حروب أهلية باللعب على الوتر الطائفي، فإن لطالبان تجربة على مدار أربعة عقود في القتال وفي الحكم، وهي الجهة الأفغانية الأقوى والأكثر تمرساً في ذلك. وبالتالي فهي قادرة على الدفاع عن حكمها وعن تماسك البلاد، ضد أي أطماع خارجية، كما فعلت في الجهاد ضد الغزو السوفياتي في الثمانينيات، وكما فعلت عندما استقر لها الحكم في التسعينيات، وكما فعلت في محاربة الاحتلال الأمريكي، خلال العقدين الماضيين. وسيزيد قوتها قوة إن هي قبلت بتواجد تركيا وأقامت علاقات إيجابية معها، فتصبح مدعومة من جارتها القريبة باكستان ومن شقيقتها الأبعد تركيا، التي يمكن أن تدعمها عسكرياً ضد الأطماع الخارجية.