منذ أيام، والأردن يشهد جدلا حول الدعوة لزيارة الإيرانيين الى الأردن، وبالتحديد الى مقامات الصحابة الشهداء في مؤتة الكرك، وهي على اي حال ليست الدعوة الأولى في هذا السياق.
القصة بدأت بمقال كتبه المحامي زيد النابلسي مطالبا بفتح الباب للإيرانيين من اجل زيارة الأردن، وتحديدا الى مقامات الصحابة في الكرك وان هذه الزيارات سوف تدعم الاقتصاد الأردني، وتدر المليارات، على اقتصاد مرهق، ومنهك، وبحاجة الى طوق نجاة.
هذا الرأي تسبب بموجة ردود فعل واسعة معاندة له في البدايات، ورافضة له كليا، وتبريرات الرفض كانت مختلطة، لكنها كانت غاضبة، والانقسام في الراي العام لم يكن سراً مخفياً.
ربما كان أول الردود من السفير الأردني السابق في طهران، بسام العموش، الذي كتب ردا حادا ضد الإيرانيين، معتبرا ان السماح او عدم السماح، قضية امنية بالدرجة الأولى، لاعتبارات مختلفة، فيما توالت ردود فعل مختلفة، من جانب شخصيات تعمل في قطاع السياحة، رفضت الامر ذاته، وأشارت الى وجود كنوز سياحية في الأردن، كفيلة بجلب المليارات لو تم الاستثمار فيها بشكل افضل، من الدعوات للسياحة الدينية في الكرك.
العاصفة التي هبت، لم تتوقف حتى الآن، إذ إن هناك تيارا ثانيا، انتقد بشدة الذين هاجموا طرح النابلسي، ورحبوا بزيارة الإيرانيين، بل ان بعضهم كتب على وسائل التواصل الاجتماعي منتقدا وقائلا بشكل صريح إن الأردنيين يسكتون على زيارة السياح الإسرائيليين الى الأردن، والى مقامات مثل مقام النبي هارون، لكنهم يرفضون زيارة سياح مسلمين، الى مقام سيدنا جعفر بن ابي طالب، الذي له مكانته الخاصة عند السنة والشيعة معا، والذي تعد قصته ابرز قصص البطولة والفداء والشجاعة وأول الدم في الإسلام، ومعه صحابيين شهيدين جليلين.
ويزيد هؤلاء من الشعر بيتاً وبيتين ويقولون ان الأردن يجب ان يعيد التموضع في علاقته مع السوريين والإيرانيين، بدلا من هذه الحالة التي نعيشها على كل المستويات.
في كل الأحوال لا يتوقع هنا، ان يفتح الأردن، ابوابه لسياحة الإيرانيين، لاعتبارات سياسية وامنية، خصوصا، ان هناك حالة تحشيد شعبي ضد هذا التوجه، خصوصا، ان هناك ربطا شعبيا بين ملف ايران والدول العربية التي دخلتها، وملف دخولهم الى الأردن، وكأن هذا الربط يقول ان السماح للإيرانيين سيؤدي الى تداعيات أمنية خطيرة، وقد يؤدي الى نشوء حالة تشيع تدريجية، على المستوى المذهبي، بعد حالة التشيع السياسية التي شهدناها عند البعض في الأردن إثر حروب حزب الله ضد اسرائيل، لولا ان جاء الربيع العربي، وأعاد خلط الأوراق.
وفقا لمعلومات مؤكدة فإن الإيرانيين قدموا عروضا كثيرة خلال العقود الماضية، ومنذ نهاية الثمانينيات، من بناء مطار، وصولا الى دعم الأردن بالنفط منخفض الثمن، إلا إن الرفض السياسي الأمني، كان حاضرا كل مرة، فيما ينتقد المؤيدون لدخول الإيرانيين المنع الرسمي، باعتبار ان الإيرانيين قدموا ضمانات سياسية وامنية، لن يتم تجاوزها خلال الزيارات، التي ستؤدي برأيهم الى انعاش الاقتصاد، وستؤكد أن لا فروقات بين المسلمين، سنة وشيعة.
هذا الكلام بالذات يثير غضب الرافضين لدخول الإيرانيين كون الرافضين يعتقدون أن إيران لعبت دورا سيئا في العراق، سورية، اليمن، وانه لا يجوز فتح نوافذ الأردن، تحت أي عنوان، حتى لو كان العنوان، تحسين الاقتصاد الأردني بهذه السياحة المعلقة منذ أربعين سنة واكثر.
التنابز بالألقاب وتبادل الاتهامات، ما يزال مستمرا، ما بين الذين لهم موقف سياسي او ديني ضد الإيرانيين، وبين من يريدون استقطابهم تحت عنوان يقول ان هناك سيطرة امنية اردنية، لن تؤدي الى حدوث اختلالات، إضافة الى ان الأصل وفقا لرأيهم معادة الإسرائيليين الذين يزورون المقامات، وليس استعداء الإيرانيين الذين يعدون مسلمين ومن أبناء المنطقة.
الذي يعتبر دخول الإيرانيين مصلحة أردنية، قابلة للتطور على الصعيد الاقتصادي والاستراتيجي مع ايران، برغم العقوبات على ايران، يقابله شخص آخر، يرفض هذا المنطق لاعتبارات سياسية وامنية واجتماعية، بما يؤشر على حالة التحشيد السلبي القائمة في الأردن.
في هذه القصة يختلط السياسي، بالديني والمذهبي، والأمني بالاقتصادي، لكن الانقسام حولها يعبر أيضا عن استقطاب مذهبي حاد في الأساس، وبلغة واضحة تعكس حالة المنطقة أيضا.
الغد