آلهة البطالمة في مسار الصفصاف سرابيس (صور)
عبدالرحيم العرجان
03-07-2021 11:06 AM
معالم كثيرة نمر عليها ونجهل تاريخها، من الكوات الصخرية، لأسماء خرب، فقرانا ومدننا التي نعيش بها، إضافةً للمناطق والدروب التي قد سار فوقها قادة، وزحفت عليها فيالق بين حراج وأحراش -متنفسنا لعليل الهواء-بعض منها مما زرعه عشاق الطبيعة بيوم الشجرة وما خلفه الأجداد وجددته الطبيعة.
كانت البداية من الصفصاف بوادي أبو محمود بالساخنة المرتوي من عيني الصفار، وزقيقا ودبين، وشعابه من وادي نحلة بين خرب كانت قرى واستراحات على طريق الحلف الروماني "الديكابولس" وشهدت ما شهدته من زائرين عبر الزمان ومجدوها وأهلها بكتابتهم بأصول الكرم والعلم بذكرهم بخير الكلام.
وعلى مدى الجزء الأول من مسارنا بالوادي الأخضر تجلت آثار رومانية من عصرهم المبكر بفتحات مربعة، ومرتفعة بواجهات الصخر الأصم الذي لم يسمع منها سوى إزميل التاريخ، حيث تُغلق بصفائح حجرية تجعلها مع بعضها بنفس المكان، فأخدت ما أخدت من أساطير وحكايات عن طبيعة وجودها، حتى مفكري وعلماء الآثار انقسموا بماهية استخدامها؛ منهم من ذهب إلى الإيمان بأن الحجر وجد لحفظ جرار الزيت الفخارية والنبيذ المزججة، والطرف الآخر أصر على أنها مدافن وذات طبيعة جنائزية خاصة، ومع هذا الانقسام فالأمر يتطلب الوقوف عندها وحمايتها من أيديّ العابثين، الباحثين عن الكنوز والدفائن حتى لو كانت في أراضيهم الخاصة فهو وثيقة كتبت بالصخر بفكر عمارة الرومان، التي تجاوزت الألفين عام بثلاثة قرون.
بدأ مسارنا بطريق آمن بين أحراش البلوط وأشجار السنديان والبطم، بدروب المارة أو ممرات ترابية "دروب النار" والتي قد مهدها رجال الدفاع المدني للحرص على التدخل السريع في حالة نشوب حريق -لا سمح الله-، ومع كل قمة تلة كان مشهد الأفق يتغير والبعد يتسع ويضيق لقرى تربعت فوق الجبال كالجواهر بين بساتين تفاح كان لنا نصيب منها وخوخ ودراق وكروم عنب وزيتون، ترتوي بعمق جذوره من ماء ما تحت الصخور يتجدد مع ندى الصباح، لتكون هناك استراحة إفطارنا، حيث اشترينا من سوق مدينة جرش الشعبي كل ما يحلو للنفس من مربى قرع، وجبنة مجدلة، وكرات لبنة محفوظة بالزيت، وخبز قمح طابون مع كأس شاي من إبريقنا الذي اسود بنار الحطب خلال المسار.
أما عبر وادي الشام، فقد كان مسارنا فوق طريق قديم حفت كتفيه بحجارة لتحديده وأسوارٍ لرفع مستواه وموازنته على جنبات الوادي موسمي الجريان لتعود الحياة بإذن الطبيعة، وتنبت الأشجار بوسطه حيث طولها يُخفي معالمه بما تجدده من أوراقها، أما "الخطيطة" فقد دكت بخطوات الأهالي والمتنزهين ورفقائنا عابرين الطريق بين قرى نجدة وخربتها والجزازة وظهرة المنار لتل عويمر مرورًا بوادي أم جوزة المشابه بالمسمى بموقع آخر بنواحي السلط، وكيف وجدت العناكب بهذا السلام مكان لمد شباكها الهش وكأن خيوطها تتلألأ متراقصة مع النسيم بحوار أبدي يتجدد مع إشراقة الشمس من أغصان القيقب الذي خلع رداء سيقانه الأخضر ليرتدي الأحمر ملتفة قشوره على بعضها كصفحات الكتب حين تثنى عند القراءة، ويعود لينزعها مع نهاية الصيف حتى تصبح بنية اللون والأخضر الذي يغمق مع برد الشتاء، تاركاً أوراقه على الأرض لتخفي في تراكمها باب جحر أفعى استفاقت بعد سبات شتاء طويل.
وعبر الصفصافة وتلالها وصلنا لنقطة النهاية لخربة سرابيس الأثرية ذات المسمى المصري المنسوب لآلهة كانت تقود الأرواح إلى عالم الحياة الأبدية أبان الفترة البطلمية، والمشابه ببداياتها للعجل المقدس "أبيس" قبل أن يتحول هيئته لرجل حكيم، وهكذا استمر ازدهارها خلال الفترة الإسلامية بفترة الأيوبيين والمماليك وما بعدهم من عثمانيين مع أنها لم تذكر بدفتر طابتهم مخلفين فيها الأهالي مسجد ومعصرة وما تبقى من مساكن القرية المهجورة، ولنختتم 16 كم بمسار يصلح لجميع الفصول حتى الماطر منه.