حصلت قمة بغداد الثلاثية الأخيرة على اهتمام عالمي غير تقليدي وتحليلات استراتيجية عميقة. القمة التي جمعت الأردن ومصر والعراق هي الرابعة، بدأ العالم يرى استدامة لجهود بقائها وزيادة زخمها. نجاح هذا التآلف -ولا أقول التحالف- للآن مرده سببان اثنان: الأول، أنه غير موجه ضد أي أحد ولا يسعى للصدام مع أي أحد، وثانيا، أنه يأتي استجابة لمصالح الأطراف الثلاثة المشتركة فيه وعلى فرضية المجموع الإيجابي وليس الصفري لأي فوائد ستستفيد منها الدول الثلاث مجتمعة.
دول الإقليم والعالم، في معظمها، ترى في هذه القمة والتفاهمات التي سبقتها ولحقتها مصلحة للأمن والاستقرار في الإقليم وأجواء تعاونية إن لم تنفع أحدا فإنها لن تضره. قد تكون الدولة الوحيدة التي تراقب وربما تتوجس من هذا التفاهم بين العراق والأردن ومصر هي إيران، فهذه الأخيرة لا تريد أن تخسر نفوذها في العراق الذي وصل الأمعاء، ولا تريد لمكتسباتها هناك أن يتم تبديدها أو منافستها من قبل أي بعد استراتيجي عربي للعراق، وما دام انخراط العراق مع الأردن ومصر لا يكون على حساب إيران، فإن إيران ستكون إما حيادية أو ربما مستفيدة من التنسيق العراقي الأردني المصري، فالتجارة والنقل والطاقة وغيرها قطاعات ستنتعش إذا ما قدر للتعاون النجاح، وهذا بدوره سيطال إيران التي ستكون مستفيدة حكما منه بحكم وجودها وجيرتها للعراق.
العراق يدرك هذه المعادلة مع إيران، ويعلم رئيس الوزراء العراقي حجم النفوذ الإيراني في العراق، فيحاول أن يريح إيران بطمأنتها أنها مستفيدة من تعاون اقتصادي تجاري للعراق مع جيرانه، ويحاول العراق أيضا طمأنة إيران من خلال احتضانه وتوسطه لمحادثات إيرانية سعودية قد تؤسس لتفاهمات استراتيجية تريح الإقليم من كل هذا التوتر الذي ينمو في ضوء غياب التفاهم واستمرار التدخلات وتهديد مصالح وأمن الدول.
إذا ما تم تحييد إيران، فإن باقي الدول سترحب وتدعم التعاون المصري العراقي الأردني لأنها مستفيدة من ذلك سواء كانت السعودية ودول الخليج أو أميركا أو إسرائيل.
الأردن معني بإنجاح هذا التآلف وقد بذل جهودا كبيرة من أجل ذلك، فهو من جهة مستفيد تجاريا واقتصاديا من أي تعاون وتبادل تجاري بين الدول الثلاث، كما أن قطاع النقل واللوجيستيات عموما والطاقة سيكون مستفيدا وينتعش، وستتوسع إمكانية دخول منتجاته للعراق ومصر إذا ما تسنى للتفاهمات السياسية والاستراتيجية أن تترجم اقتصاديا.
تعقيدات لوجستية عديدة وأحيانا غامضة يتعرض لها تدفق السلع الأردنية للأسواق المجاورة، وهذه معضلة قد تحل إذا ما تعمق التفاهم والتبادل الاقتصادي بين الدول الثلاث. الأردن، فعليا وعمليا، يشهد درجة من الحصار الاقتصادي تتباين عبر حدوده، أشدها تلك في الحدود مع سورية بسبب قانون قيصر، وتعقيدات تقف بوجه انسياب بضائعه للعراق ومصر، لذلك فهو اقتصاديا معني بنجاح التعاون الثلاثي وتعزيز زخمه.
الغد