كثيرون مثلي من تلاميذ ومريدي محمود الكايد كتبوا عنه وأشادوا بمناقبه، ولكن أحداً لن يفيه حقه، فقد عاش حياة يقاس طولها بالسنين أما أبعادها الأخرى فيصعب سبر أغوارها والإحاطة بها.
لم يصنع عميد الصحافة الأردنية مكانته ككاتب، فقلما كتب مقالاً أو افتتاحية، بل صنع مكانته في إدارة المطبخ الصحفي كرئيس للتحرير، وفي حسن إدارته الإنسانية لعائلة (الرأي) كرئيس مجلس إدارة ورعايته للأسرة الصحفية كنقيب، فكان كالأب الحاني الذي يحفز العاملين معه ويحميهم، ويتلقى عنهم الضربات، فيتحمل المسؤولية وحده ولا يلقيها على غيره.
كان أبو عزمي يتحرك بين الصحيفة والسلطة، وبين الكتّاب والرقباء –وما أكثرهم- يدافع عن الصحفي ولا يتنصل من المسؤولية، وقد تعامل بذكاء وحنكة مع جميع الأطراف مما مكّن سفينة (الرأي) من العبور الآمن وسط الألغام، دون أن يكون طرياً فيخضع، أو يابساً فيتمرد، وهو القائل: ننحني ولكنا لا ننكسر.
مشكلة أبو عزمي وكل العاملين في (الرأي) أن العيون مفتوحة على اتساعها تجاه ما يكتب فيها، فما هو مقبول أو محمول من غيرها ليس مقبولاً أو محمولاً منها. وفي مقابل (التغاضي) عن غيرها يتم التشدد معها، فالنقد القاسي المنشور في غير (الرأي) يمكن أن يمر بهدوء، أما في (الرأي) فتقوم الدنيا ولا تقعد!.
كان أبو عزمي وفياً للرفاق والأصدقاء الذين رحلوا، فمعظم مقالاته كانت رثاء وتأبينا لهؤلاء، وتسجيلاً لإنجازاتهم، وقد ُجمعت بعد ذلك في كتاب بعنوان (الراحلون)، وها هو نفسه قد انضم إلى موكب الراحلين الذين تركوا أطيب الأثر.
في محيط (الرأي) كان محمود الكايد حازماً ومحبوباً في الوقت ذاته، وهو أحد خمسة ملكوا (الرأي) وصنعوا منها صحيفة أولى: جمعة حماد، سليمان عرار، رجا العيسى رحمهم الله ، ومحمد العمد أطال الله عمره. وكانت خدمته للجانب الصحفي في (الرأي) هي الأطول، وعندما أجبر على مغادرتها ظل يتابع مسيرتها التي لم تخلُ من قفزات تسعده وكبوات تزعجه، فهو كالأب المعلم الذي يريد لأبنائه وتلاميذه أن يتفوقوا عليه، ويحققوا آماله وطموحاته.
رحم الله أبا عزمي وأسكنه فسيح جنانه.
(الرأي)