تهب على مجتمعنا الأردني موجاتٌ كلامية مشوبة بالتعصب والكراهية والأنانية والاستعراض والمتاجرة وكل ما هو سوء , في اجواءٍ من الطوفان اللفظي والتنظير بإطرٍ وأشكالٍ متعددة من اللغو والسفاهةِ والقبح .
وللإيضاح فإنني منذ زمنٍ ملتزم الصمت لولا أن موجات الكلام الأسود مؤخراً أصابتني بالغثيان والاشمئزاز والاستفزاز فقررت إعادة نشر مقالٍ كنت قد نشرته في 27 تموز 2006م في مواجهة احوالٍ مماثلة.
وربما كانت كثيراً من مثل هذه الأحوال تتكررُ من قديم الزمان لذلك قال الشاعر عمرو بن الأهتم التميمي :
لعمــرُكَ ما ضاقـت بـلادٌ بأهلهــا ولكـــنَّ أخـلاقَ الرجــال تضيــقُ
وهذا هو نص المقال المنشور قبل 15 عام :
لا يستطيع أحد، ومهما كان، أن يسلخ عن الأردنيين جلودهم وضمائرهم وملامح وجوههم.
أمسهم عرب أقحاح، يكملون وريد «الرافدين» الدافق في الشرق ، إلى شرايين «الفينيق» المحترق في «المتوسط». وهم تدرج الفصحى في الحكمة «والتوحيد اليماني»، إلى توحيد «حجازهم» ودينهم، وحتى «عربيتهم» الشمالية في بلاد الشام.
فمن العرب «البائدة» الى «العاربة» «والمستعربة»، ظل أهل هذه الأرض، وناسها ، امتداداً لأمتهم، من «يمن» سيف بن ذي يزن وحتى «لاذقية» الملك قدموس و«ذي كرب» ، ومن «الحارث الرابع» وحتى «ظاهر العمر» الزيداني.
لن يزور الناس هنا ضمائرهم، ولن يغمضوا عيونهم عن فاشية الجلاد غرب النهر، ولن يكونوا شركاء في «الفرجة» على لبنان وشعبه يذبح أمام أبصارهم.
إن تكاثر وتراكم أرتال «الطابور الخامس»، من كتبة وأبواق ورداحين وشتامين و... ، ... ، لن يشوه وجدان ووعي الأردنيين ، الذين لم يكونوا يوماً إلا مع أمتهم وقضاياها ومصائرها. فالتذكير بالهزائم في زمن الحرب وإعادة «اللطم» على ركامها، وكل التشكيك بالأمة، لن يفلح في تيئيس الإنسان الأردني، ولن يفلح في تغيير وجوه الناس وأسمائهم وعناوينهم.
وإذا كانت الأمة، الآن تمانع في موت يراد لها وتستعصي عليه، في لبنان والعراق وفلسطين، فسيظل الأردنيون هناك، عند أمتهم التي تمانع وتقاوم، مهما تراكمت الهزائم، ومهما تكاثر الندابون.
نعم إنهم «اردنيون من غير سوء..» بيضاء أياديهم وسيوفهم. عربية قلوبهم وعقولهم.
فلله التوحيد في الأعالي، وللعرب والأمة البقاء، وللأردنيين «بياضّ ناصعّ» من غير سوء.