السيطرة على الوباء في ظل غياب عدالة توزيع اللقاحات
الدكتور مهند النسور
01-07-2021 09:42 AM
على الرغم مما تم اعلانه مؤخرا من قبل منظمة الصحة العالمية بخصوص تزويد اخر خمس دول في العالم بمطاعيم كوفيد -19 من خلال مبادرة كوفاكس ،الا اننا نرى انفسنا بعيدين كل البعد عن الهدف الذي وضعته منظمة الصحة العالمية لتغطية ما نسبته 40% من سكان العالم بحلول نهاية العام الحالي، حيث لا زال العالم يسير ببطء في تامين المطاعيم لمعظم الدول وبشكل مغاير لمنهجية العدالة القائمة على مبدأ اننا نعيش على نفس الكوكب نتنفس نفس الهواء ونصاب بنفس الاوبئة، ولا مجال للتخلص من الاوبئة الا بمنظور شمولي عالمي يتضمن العدالة والانسانية في توزيع المطاعيم وايصالها الى جميع و خاصة الدول التي تزال ترزح تحت وطاة الفقر ،في الوقت الذي تسابق فيه الدول الغنية الزمن لتلقيح مواطنيها ضدّ فيروس كورونا لا وبل واكثر من ذلك فانها تسارع الى ان تمتلك احتياطاً كافياً ( او اكثر من كافي ) من جرعات اللقاحات، في المقابل تبقى الدول متوسطة و منخفضة الدخل في انتظار نصيبها من اللقاحات بلا حول و لا قوة.
وهنا نرى وبما لا يضع مجالا للشك غياب مبدأ العدالة وان كانت لا تزال الدول الغنية ترفع شعارها اعلاميا دون اي تطبيق على ارض الواقع او بتطيقاً محدودأ لا يفي بالغرض ، ومن المؤلم في ظل هذه الفوضى الانسانية وانعدام اخلاقياتها ان نرى الدول الغنية تسعى الى استغلال الوضع الوبائي لغايات قومية سياسية ومكاسب اقتصادية بحته مبنية على قدرة هذه الدول التلاعب بالاسواق والضغط على الشركات المنتجة للمطاعيم بشتى السبل وتحويلها الى الاّت رأسمال مع غياب الجانب الانساني والاخلاقي في تعاملاتها وخصوصا ان هذه الحكومات هي من قام في الاساس بتمويل الشركات في عملية انتاج وتطوير هذه اللقاحات فبات لزاما على هذه الشركات الانصياع لاوامر السياسيين في تلك البلدان ، للاسف هذا كله على مراى ومسمع من الجميع ، عملا بمبدا قومية اللقاح و الانانية المطلقة.
وعلى الرغم من وجود كميات قليلة نسبياً معروضة من اللقاحات المنتجة في الدول الغربية ، إلا أنّ هذه الدول ما زال لديها هاجس الخوف من قيام دول اخرى من الحصول على اللقاحات وتخوفاً من تراجع هيمنتها وفقدان تفوُّقها العالمي مع انه بامكان هذه الدول منح تراخيص لإنتاج تلك اللقاحات في كل القارات، ولكنّها تفضِّل الاحتكاروالسيطرة على اللقاحات والالتزام بمبدا الانانية المطلقة، ورغم وجود كل هذا التعنت العالمي ،الا انه لا يفوتنا الاشارة الى بعض الانجازات المشرقة في اقليم شرق المتوسط فقد قامت بعض الدول الشقيقة كدولة الامارات العربية المتحدة وجمهورية مصر العربية بابرام اتفاقيات لنقل تكنولوجيا تصنيع اللقاحات و فتح خطوط انتاج لها، بهدف توفيرها لمواطنيها ولدول الجوار والحد من التغول العالمي في مجال اللقاحات، وقد نجحت جمهورية مصر العربية مؤخرا في تصنيع اول دفعة من اللقاحات على المستوى المحلي لتلحق في ركب المصنعين للقاحات.
اما فيما يتعلق باغلب الدول النامية وبالاخص الفقيرة منها فانها لا زالت تقف في طابور انتظار طويل مضطرّة لدفع مبالغ تفوق بكثير السعر الحقيقي لجرعات اللقاحات ،خاصّة بعد تأكيد المتحدثين باسم بعض شركات انتاج الادوية و اللقاحات، عن بند السرية الذي يفرض على المشترين عدم التصريح بأسعار اللقاحات، الأمر الذي يؤكد على عدم وجود تسعيرة موحَّدة لكل من يرغب بالحصول على اللقاحات وهذا بدورة قد يزيد من تسعيرة اللقاحات وبالتالي يستنزف من الموارد المحدودة اصلا للبلدان الفقيرة او محدودة الدخل بعد اجبارها وعدم ترك اي خيار اخر امامها مما يزيد من معاناة شعوبها على ما يعيشونه من بؤس و معاناة .
ان المتابع لعملية التطعيم على المستوى العالمي يرى ان هناك تفاوت كبير في نسب التغطية حيث ان هناك دول لم تبدا بعد بالتلقيح الى دول اخرى قامت بتطعيم اكثر من 70% من سكانها ، وان المثال الاكثر ايلاما نراه في القارة الافريقية التي لا زالت لغاية الان لم تحصل على اكثر من 2% من الكمية اللازمة من اللقاحات لتغطية مواطني البلدان فيها، و هنا وبعيدا عن الشعارات من قبل بعض قادة الدول الغربية الغنية وان كانوا صادقين و لا يزالون متمسِّكين بقيّم الديمقراطية والمساواة والعدل، فيجب عليهم التحرك دون ابطاء ودون تردد لتلبية الطلب العالمي على تلك اللقاحات وتمكين العالم اجمع بما فيها الدول الفقيرة للخروج من هذا الوضع العالمي الحرج باقل الخسائر البشرية و الخسائر الاقتصادية التي ظهرت اثارها في الوقت الراهن املين ان نخرج من هكذا وضع بعد عودة العالم الى الرشد السياسي العالمي والالتزام بالقواعد الانسانية والاخلاقية عندها فقط سيتعافى العلم ويسيطر على الوباء.
تدني مستوى التلقيح بين الدول المختلفة يؤدي الى سرعة انتشار الفيروس و تحوره مراراً و تكراراً"، الامر الذي يعني مزيدا من الاصابات و الوفيات في العالم. اللقاحات وجدت لاعطاء البشرية الامل لا على ان تصبح لبنة اخرى في جدار عدم المساواة بين الدول الغنية والدول الفقيرة.