يحتاج الحوار، أي حوار إلى بوصلة يهتدي بها إلى طريقة الوصول إلى غايته وأهدافه، والحوار هو وسيلتنا للتفاهم حول مسألتين: الأولى تتعلق بالوصف الدقيق للقضايا الراهنة التي تشغلنا، والثانية كيفية معالجتها بالوسائل العملية التي نملكها كي نتقدم بأنفسنا إلى منزلة أعلى، أو مكانة أكثر قوة وثباتا وقدرة على مواجهة التحديات، ومواصلة مسيرة العطاء والإنجاز.
الحوار أو النقاش بوصفه مبدأ للتفاهم والاتفاق على خارطة طريق ما، يتطلب قدرا من التماثل في العلاقة، والخبرة والدراية، والمعرفة بشأن القضايا التي يدور حولها الحوار، وكيفية إدارته، ومن أجل أن تتم تلك العملية على أفضل وجه فإن الحوكمة بمبادئها الثلاثة "التشاركية، والشفافية، والمساءلة" من شأنها تحصين الحوار في جميع مراحله، وتقوية مخرجاته لتتحول إلى وثيقة يُعتد بها، وتُتخذ على أساسها قرارات وإجراءات تحقق النقلة النوعية المنشودة.
التشاركية في الحوار تعني إيجاد الجوامع المشتركة بين المتحاورين من حيث المصطلحات وأسلوب التعبير، وطريقة النقاش، وفق قاعدة أو مدونة للسلوك، وتعني كذلك إشراك ممثلي القطاعات ذات العلاقة في تشكيل الرأي السديد الذي يخدم الغاية من الحوار، والشفافية تعني الوضوح في الحوار وغاياته وأهدافه، أما المساءلة فهي في القضايا العامة تعني الضمير، ومحاسبة النفس عن مدى إخلاصها في القول والعمل وفي إنجاح المقاصد التي تحقق المصالح العليا وتصونها!
قد يكون الحوار عاما أو خاصا على شكل ندوات وغيرها، ولكن عندما يكون مؤطرا ضمن منظومة معينة، يصبح الحوار والإدلاء بالآراء مهمة ومسؤولية يمكن قياسها من أولئك الذين ينتظرون نتائجه، لأنها تتعلق بمصالحهم ومستقبل أجيالهم، الأمر الذي يجعل من الحوكمة عملية لا يمكن التقليل من شأنها، ذلك أنها الضامنة لحالة الرقي التي ينبغي أن يكون عليها الحوار، والتي تعكس القيمة الحقيقية للقائمين عليه، وللنتائج التي تصدر عنهم.
ولأني أعكف حاليا على تأليف كتاب جديد عن الحوكمة التي أصبحت شرطا ضروريا للحفاظ على المؤسسات بجميع قطاعاتها، وتطويرها والنهوض بها فإنني آمل مشاركتي الرأي في هذا الأمر ما أمكن لمن يريد.