الجغرافيا تجمع والديمغرافيا تفرق
شحاده أبو بقر
28-06-2021 07:29 PM
كنت وما زلت أقول للأهل في بلدتي "عيرا ويرقا" في موسم الإنتخابات البلدية واللامركزية، هذه عيرا ويرقا بلدة وليست عشيرة أو عائلة كذا وكذا، وما دمنا أهل بلدة واحدة، فإن الشخص الأفضل أو الأصلح يمثلنا جميعا بغض النظر عن كونه من هذه العشيرة أو تلك، هذا إن كانت غايتنا من الإنتخاب تحقيق مصالح البلدة!.
ما ينطبق على "عيرا ويرقا" ينطبق على الأردن كله من حده إلى حده، فما دمنا جميعنا أردنيين نحمل أرقاما وطنية متماثلة لا فرق فيها بين أردني وأردني، فإن أي أردني وأيا كان أصله ومنبته ومكان سكنه، مدينة قرية مخيما بادية، ومن أي مكون كان، يمثلنا جميعنا كأردنيين في أية هيئة تمثيلية منتخبة برلمانا كانت أو غير ذلك من هيئات.
هذا هو الأصل والكلام الحق، أما الحديث عن الفرز الديمغرافي الذي يفرق بين الأردني وأخيه وجاره الأردني في الحي الواحد والقرية الواحدة والمدينة الواحدة، فهو حديث "عنصرية" بإمتياز والعياذ بالله، عندما ينتصر أحدنا لأقاربه داخل البلد الواحد على حساب مواطنيه الآخرين بمنهجية جهوية إقليمية عنصرية مقيتة.
نضع هذه الخاطرة بين أيدي الأفاضل اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، فالأصل أننا كلنا أردنيون أيا كانت مناطق سكننا ومقومات فكرنا ورؤانا السياسية والإجتماعية وحتى الإقتصادية، والأردن بلد محدود المساحة وليس قارة مترامية الأطراف ولا أعراقا شتى بل نحن عرب أردنيون فينا المسلم والمسيحي وفينا ربما غير ذلك من غير المؤمنين بالله.
شخصيا أكره مقولة الأصول والمكونات في بلدنا وأتمنى لو تشطب من فكرنا وخطابنا السياسي والإجتماعي والإعلامي بالتالي، فهي مقولة ديمغرافية عنصرية تذكي في نفوس الجيل مثلبة التفرقة والتناحر والتنافس غير اللائق، في زمن مر مرير نواجه فيه ومنذ عقود طويلة مخرجات المخطط الصهيوني اللعين الساعي وتدريجيا لإجتثاثنا كلنا وطمس الهويتين الوطنيتين الأردنية هنا والفلسطينية هناك غرب النهر ولا حول ولا قوة إلا بالله.
مرة ثانية، أستذكر كذلك ما قلته لمسؤول كبير وطني محترم في أهم مراكز القرار قبل فترة وجيزة، قلت.. ألا تلاحظ أن الخطاب الرسمي للدولة ينطوي على تناقض كبير واضح عندما تتحدثون ليلا نهارا عن الوحدة الوطنية وحتمية التشبث بها وصونها من أي عبث، ثم وعند الممارسة العملية تعتمدون منهجية "المكونات" في التعيينات في المناصب المتقدمة، وحتى لو شغر منصب يشغله شخص من مكون كذا أجهدتم نفوسكم بالبحث عن بديل له من ذات المكون، فكيف يستقيم هذا مع حديث الوحدة الوطنية التي لا تفرق بين أردني وأردني آخر!!.
قبل أن أغادر.. منهجية الديمغرافيا في إتخاذ القرار تفرق وتجسد العنصرية البغيضة التي تتهدد حاضر ومستقبل الوطن، والجغرافيا في بلد صغير محدود المساحة والسكان، هي المعيار الأفضل الذي يجمع ولا يفرق، مضافا إليه منسوب التنمية ومدى حاجة كل منطقة منها أيا كانت مكونات قاطنيها.. العنصري مكروه عند ربه قبل خلق ربه، والعنصرية التي تمزق الأوطان شيعا ومذاهب وأعراقا دمرت دولا ومجتمعات وحتى إمبراطوريات كبرى، والتاريخ خير شاهد.
الله القائل لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى، من وراء قصدي.