قراءة أولى في اللجنة الملكية لتحديث منظومة التشريعات السياسية
د. محمد فخري صويلح
28-06-2021 02:16 PM
بعد طول انتظار ،، واحتقان موجب لخطوة إصلاحية ،، جاء ايعاز المقام السامي بتشكيل لجنة ملكية لتحديث منظومة التشريعات السياسية،، لجنة أحدثت جدلاً سياسياً دار بين النضج والعدمية على مستوى الشارع الأردني ،، وبين مرحب باللجنة وأعضائها ،، وبين متشائم من هذه التشكيلة ،،وما ستقدمه لتحديث الحالة السياسية في الأردن.
وبعيداً عن أجواء القراءة القائمة على الشخصنة،، أو تلك التي لا تملك إلا بث التشاؤم ،، فسأحاول تقديم قراءة أكثر موضوعية وحياداً تجاهها ،، متناولاً هذه اللجنة ودورها من عدة محاور.
أولاً: في التوقيت ،، فقد جاء تشكيل اللجنة متناسباً ومتزامناً مع حالة الاحتقان لدى رجل الشارع الأردني ،، ولدى النخب،، والذين وصلوا لمرحلة الإغلاق والإحباط في مواجهة حالة من الترهل والانسداد السياسي والاقتصادي والاجتماعي والذي فرض مزاجاً سوداوياً على مساحة الوطن.
ثانياً: في التشكيل ،، جاء التشكيل على غير ما يتمنى الكثير من المراقبين ،، فالتشكيل يعاني من هشاشة منهجية وسياسية واضحة،، ويخلق أسئلة حائرة عن وجود بعض الأسماء أو الأطياف المجتمعية أو غياب بعضها ،، مع التأكيد على وجود نخب وطاقات محل تقدير واحترام المجتمع السياسي والنخب الأردنية.
ثالثاً: وفي تقبل الشارع الأردني للجنة،، جاءت ردود الفعل الشعبية طافية على بحيرة من خيبة الأمل والتردد،، وجاء تناول الشارع مركزاً على شخصنة التقييم بعيداً عن قراءة نطاق عمل اللجنة ومهامها ،، ومركزاً بشكل سلبي شعبوي وانطباعي على شخص رئيس اللجنة وبعض أعضائها.
وأما ردود فعل النخب ،، فقد جاءت متباينة ،،، ففريق علق ناقداً مخفياً غضبه لغيابه أو تغييبه عن عضوية اللجنة وأعمالها ،، وفريق لديه تحفظات فعلية على طبيعة التوازنات وجدول الأعمال وعلى ما بعد عمل اللجنة.
رابعاً: في نطاق عمل اللجنة ،، وفي وزن سقف التوقعات المرجوة منها ،، فقد جاء نطاق عمل اللجنة مخالفاً لتوقعات رجل الشارع والنخب السياسية ،، والتي كانت تتطلع لنطاق اصلاح أوسع يشمل ملفات الهوية الوطنية والحريات العامة والاصلاح الدستوري الواسع ،، وإعادة هيكلة المؤسسة البيروقراطية وعملها،، إضافة إلى إعادة ترسيم الدور والتداخل الأمني مع الدولة والمجتمع،، والانتخابات النيابية والمحليات والنقابات والانتخابات الطلابية ،، مع إعادة هيكلة العمل الحزبي ليصبح أبرز روافع النهوض والإسناد للدولة والمجتمع الأردني.
مع التركيز على دوريّ المرأة والشباب باعتبارهما شركاء حقيقيين وبنفس الوقت أطراف محدودة الدور في الفعل الوطني والسياسي.
ومما ينبغي التركيز عليه في تقييم عمل اللجنة مدى قدرتها على تفريغ المعاني الرائدة والواردة في الأوراق النقاشية بكل ما فيها وبما يجعل مخرجات عمل اللجنة أكثر عملية وقبولاً وأثراً في الحياة السياسية.
خامساً: في الوقت المتاح لعمل اللجنة ،، يرى الكثيرون أن الوقت المتاح غير كافٍ لتقديم منتجات متوازنة وقوية وقابلة للحياة وتحقيق القبول المجتمعي والرسمي،، مالم يكن هناك وجبة جاهزة مقدمة للجنة لهضمها وتقديمها للجمهور ضمن الوقت المتاح.
سادساً: في الملفات الغائبة عن دائرة الاصلاح ،، يرى المتابعون للشأن المحلي ،، أن تغييب الملف الاقتصادي أو تأجيله عن قطار الاصلاح ،، سيجعل فرص النجاح ضعيفة وغير شعبية لدى الشارع المتلهف لاصلاح اقتصادي موازٍ للاصلاح السياسي ويعالج القطاعات المحورية ويحقق إعادة تموضع في ملف الاقتصاد الأردني.
كما أن البيروقراطية الأردنية ،، بدأت تعاني بوضوح من ترهل في بعض قطاعاتها ،، ولحالة تكلس في بعض مفاصلها ،، ولحالة تكدس في حواضنها ،، ولحالة خروج عن قطار الرتابة المتوازنة الواثقة في مجملها.
سابعاً: في عوامل نجاح أو فشل اللجنة ،، تحمل اللجنة في رحمها بذور نجاحها ،، وبنفس الوقت بذور انفجارها،، فغياب حالة الانسجام والتناغم ،، واعتقاد البعض أن مخرجات اللجنة جاهزة ،، وأن دوره لا يتجاوز تمرير هذه المخرجات ليكون محللاً لها،، أضف لذلك ،، وجود قناعة بغياب التوازن في تشكيل اللجنة ،، ووضوح وجود شخصيات مفتاحية في كل لجنة فرعية تتولى تدبير إنتاج مخرجاتها كما يُراد لها ،، قد يدفع البعض للتفكير بالانسحاب أو المشاغبة ،، مع عدم تجاوز فكرة أن مشاركة الإسلاميين جاءت غير منسجمة مع وزنهم المجتمعي ،، وأنها مشاركة تتصف بغياب الاختيار من طرفهم لمن يمثلهم في اللجنة ،، و أن المجموع الإسلامي جاءت تشكيلته على قاعدة الشركاء المتشاكسين بلا برنامج مشترك ولا رؤية واضحة ،، ولذلك جاء تعبير الذراع السياسية لحزب جبهة العمل الإسلامي أن موقفهم الرسمي من نتائج عمل اللجنة مؤجل لحين وزن المخرجات وقابليتها للتطبيق والقبول الوطني.
أضف لذلك أن الإسلاميين الذين تم تلزيمهم للعمل في هذه اللجنة جاءوا ممثلين لجماعة الإخوان المسلمين وذراعها السياسية جبهة العمل الإسلامي من طيف مجتمعي واحد يعود بمجموعة لأصول فلسطينية ،، فيما جاء ممثلو جمعية الجماعة ذات الرعاية الرسمية وممثلو حزب زمزم والوسط الإسلامي وحتى المتقاعدين من العمل التنظيمي الإسلامي من أصول أردنية ،، في محاولة رسمية واضحة لصبغ جماعة الإخوان الأم بصبغة التنظيم ذي الأصول الفلسطينية وهي مسألة فاتت قيادة الإخوان،، أو أنهم عجزوا عن تقديم معالجة حكيمة لها ،، فيما تم الاستمرار بمعاقبة حزب الشراكة والانقاذ فتم حرمانه من التمثيل في هذه اللجنة.
ويضاف لما سبق تعذر القدرة لدى الإسلاميين بالتأثير بمادة المنتج النهائي أو القدرة على خلق مسارات إيجابية للطيف الإسلامي فيها.
ومع كل ما سبق ،، فإنني أكرر نصيحتي الدائمة للإسلاميين بضرورة الاشتباك الايجابي مع الحالة السياسية في الأردن ومع مؤسسة الحكم لغايات آنية وإستراتيجية تحتاج مزيداً من البناء والتركيب والتحديث.
ثامناً: في مالات عمل اللجنة ومخرجاتها ،، وقد بدأ يتضح للمراقبين أن مخرجات عمل اللجنة بدأت في طريقها للبروز ،، حيث يعمل الرسمي على إعادة تشكيل الصورة الذهنية عنه ،، وعلى خلق أدوات قد تكون سبباً في رفع نسب المشاركة بالانتخابات بكل أشكالها وخصوصاً لدى المرأة والشباب ،، وفي رسالة موجهة للخارج والداخل تحمل ايجابية التعاطي الديموقراطي مع الملف السياسي ،، مع محاولة تسجيل انجاز في الميدان السياسي من خلال تحقيق ثلاثية تتمثل ،، بصناعة أو إعادة إنتاج وجوه حكم جديدة أو تقديم وجوه قديمة كانت في موضع الاستراحة وإعادة ترتيب أوراقها للمرحلة المقبلة ،، إضافة إلى إشراك اليسار الأردني والليبراليين في الحكم مع تزيين المشهد بمشاركة مقبولة ومقننة للإسلاميين ،، وقد يكون لإفرازات عمل اللجنة ومخرجاتها دور في تحمّل أعباء جديدة في ملف العلاقة الأردنية الفلسطينية الإسرائيلية خلال الفترة القادمة.
تاسعاً: يتخوف المراقبون من غياب الدخان الأبيض والذي يفترض أنه سابق لعمل اللجنة ،، فغياب أي رسائل جادة ايجابية تدفع بعمل اللجنة نحو القبول العام قد يثير تساؤلات مشروعة حول جدية الاصلاح السياسي بغياب تفكيك ملف نقابة المعلمين والإفراج عن المعتقلين السياسيين،، وتقنين عمل الحركة الإسلامية بصورة توافقية وهادئة،، وهو أمر قد يؤثر بشكل جاد على القبول الشعبي والنخبوي لمخرجات عمل اللجنة،، وعلى بناء ركائز ثقة لحمل أعباء المرحلة القادمة.
عاشراً: ومع ثقتي بقدرات رئيس اللجنة على إنتاج توافقات هادئة وناضجة تنال الرضا النسبي من قبل شركاء اليوم الحاضرين والغائبين،، وقيادة مرحلة التنفيذ والتطبيق ما بعد إعلان نتائج عمل اللجنة ،، وبما يتوافق عليه فرقاء السياسة على ملفات الأحزاب والانتخابات والتعديلات الدستورية ذات الصلة ،، إلا أن مفاجآت الزمن ،، وتدحرج بعض الأزمات وتولدها في الزمن الصعب يجعلنا كمراقبين في حيرة من أمرنا حتى نرى منتجاً اصلاحياً بمواصفة أردنية مقبولاً شعبياً ورسمياً ،، ينزع منه الشك ،، ويبنى على الثقة واليقين بغدٍ أردني جميل.
إن الأردن في مئويته الثانية ،، أكثر حاجة لمواطن كامل الدسم ،، كامل الثقة بدولته ومجتمعه ،، قادرٍ على تحمّل أعباء صناعة مستقبل أردني عزيز،، وهو ما نأمل أن تسهم اللجنة بتقديم أول مفاتيحه ومعطياته.