كانوا إذا أرادوا معرفة سلالة حصان أو فرس مثلاً ، قالوا: وش بيت الحصان؟، ، أو: وش رسن الفرس؟، ، أي ما هي سلالة هذا الحصان؟؟، ، فقد كان اهتمام الأرادنة القدماء بالخيل الأصيلة لا يقتصر على حبها وتكريمها والشغف بها ، بل تعدى ذلك حد الاهتمام الجم بسلالاتها وتكاثرها ، فيحافظون على نقائها ويحاذرون من اختلاط أنسابها.
ولدى العرب الكثير من سلالات الخيل ، فهناك سلالة (أم جنيب) ، والتي سميت بذلك: لأن جدة هذه الفصيلة أصيبت في جنبها بطعنة رمح ، وأصيب فارسها بضربة سيف ، فمال الفارس على جنبها المطعون ، وظل متعلقاً بها ، وهي صابرة على آلامها ونزفها ، وظلت تعدو: حتى أخرجته من فم المعركة إلى بر الأمان،،.
وهناك سلالة (الدغيري) ، لأنها اشتهرت بالهجوم بلا تهيب في لجاج المعارك والوغى ، وهناك (الجلفة) ، وأخذت تسميتها لغلظ شفتها العليا ، وهناك (المعنقية): لطول عنقها ورشاقة جسمها ، وهناك (العبية): فهي رفعت بذيلها عباءة فارسها ، عندما أوشكت أن تسقط عن ظهره،،.
وليس بعيداً عن سلالات الخيول الأصايل ، التي اشتهرت بجمال الجسم ورشاقته ، والوفاء لفارسها ، فهي رمز للحرب والقوة والأنفة ، حيث المتنبي يدفع حياته ثمناً لبيت شعر صدره: الخيل والليل والبيداء تعرفني، ، وهي كانت مصدرا لرزقهم أيضاً ، إذ كانوا يعتمدون عليها في الغزو للتكسب والعيش،،.
ولشدة حرصهم على سلالات الخيل الأصيلة وكرامتها ، لم يسمحوا بان ينزو على الفرس الكريمة الأصل ، إلا للحصان معروف النسب وعريقه ، أما إذا ولدت الفرس حصاناً من أب ليس معروفاً: فيسمى (فلاتياً) ، فلا يعترفون بأصالته،،.
العربي دلل حصانه وفرسه ، ولاعبها وأحبها ، وأطعمها السكر والشعير ، من أجل أن تكرمه إذا ما وقعت الواقعة ، فالعرب تقول: (الخيل دوم ، والحرب يوم،) ، اي أن الخيل علينا أن نراعيها طوال الأيام ، من أجل يوم واحد للحرب،،.
الخيل كانت لا تهان ، ولا تدخل إلى حيز العمل الشاق في الفلاحة ، وحمل الأثقال والأمتعة ، وإذا اضطر صاحب الحصان لذلك ، يقولون له من قبل العار والاستهزاء: أنه كدش الحصان، ، أي جعله كديشاً،.
في هذا الزمن الصعب الذي نحياه ، وبعد أن امتلكت كل الأمم شوكتها وعنفوانها وكلمتها ، نسينا ليلنا وسيفنا وبيداءنا ، وتركنا رباط خيلنا ، وحولنا أحصنتنا العربية الأصيلة إلى أكدشة تعمل وتهان بالمجان ، فمن ذا الذي كدّش خيولنا العربية ، وتركها في أخر مضامير سباق الأمم ، وجعلها تضبح وتلهث وراء رغيف كرامة هارب؟،،.
ramzi279@hotmail.com
(الدستور)