facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss




قراءة أردنية في زمن الجائحة


زينا الكركي
27-06-2021 06:45 PM

ثمة العديد من المؤشرات الايجابية التي تشير الى بداية التعافي من جائحة كورونا وبالرغم من الانخفاض في اعداد الاصابات وتلقي المطاعيم الا ان ظهور العديد من الانواع المتحورة من الفيروس لا زالت تهدد العودة الى الحياة الطبيعية بشكل آمن حيث يتوجب متابعة هذه الانواع المتحورة بكل جدية وحذر. وما كان هذا التقدم في التغلب على الجائحة الا نتيجة تضافر جهود عالمية لإنقاذ البشرية من هذا الوباء ونتيجة الايمان بالعلم والطب ودور المطاعيم تاريخياً في حماية البشرية من اوبئة وأمراض كان من الممكن ان تزهق الكثير من الارواح.

هناك عدد من ردود الأفعال التي حصلت خلال مكافحة الجائحة وخلال حملات المطاعيم والتي يمكن ربطها بالسمات المجتمعية والقيم الثقافية لمجتمعاتنا. حيث ان ردود الأفعال هذه تستدعي الوقوف عليها وملاحظتها بل ودراستها فهي بمثابة نافذة لفهم التغييرالاجتماعي والثقافي وكيفية حصوله ومدى المقاومة للتغيير والعوامل المساعدة والداعمة للتغير وغيرها من المؤشرات الهامة.

ومن اولى ردود الأفعال التي ظهرت في بداية الجائحة ما ارتبط منها بالتصديق بوجود المرض وحقيقته ومنها ما ارتبط بمدى تقبل المواطنين لإجراءات السلامة مثل ارتداء الكمامة والتباعد الاجتماعي والتزامهم به خاصة وان احد طرق التواصل غير اللفظي في مجتمعاتنا هي التقارب الجسدي والعناق والتقبيل وهي وسيلة تعكس حميمية العلاقات بين الافراد ودفئها.

ومن اللافت للنظر أن التغيير في هذا السلوك لم يكن سهلا بالنسبة لجميع شرائح المجتمع ولكن مع ظهور الاصابات وزيادة عددها وتفعيل الدولة لقوانين الدفاع في حال عدم الالتزام بالكمامة والتباعد أصبح ارتداء الكمامة والالتزام بالتباعد أمراً لا نقاش ولا جدال فيه.

وان هذا الالتزام يوضح مدى قدرة القانون على إحداث التغيير الاجتماعي وعلى خلق قيم ثقافية جديدة مهما بدا الأمر صعباً حيث ان القيم الثقافية تنتقل عبر الأجيال ولا تخلق او تصنع بين ليلة وضحاها ومع هذا كان القانون قادرا على خلق التغيير. ويظهر هنا أيضاً مدى تجاوب وتعاون المواطنين مع القوانين المفروضة من قبل الدولة -بالطبع مع وجود الاستثناءات التي لا تعمم- وجاء ذلك بالرغم من ان القوانين في هذه المرة تقلب إحدى المسلمات الاجتماعية التي نشأ عليها الآباء والأجداد والتي اعتاد عليها المواطنون طوال السنين الماضية.

والسؤال الذي لا يزال برسم الإجابة لهذه اللحظة هو الى مدى سيبقى هذا التغيير المجتمعي والثقافي قائماً وحاضراً ؟ وهل سيصبح هذا الشيء الجديد طبيعياً وعادياً ؟ وهل ستقتصر الأفراح وبيوت العزاء على أعداد قليلة كما حصل خلال الجائحة ام ستعود الى سابق عهدها؟ وهل سيصمد القاء التحية بلغة العيون والايماءات بدلا من المصافحة والعناق والتقبيل ؟

ومن أهم ردود الأفعال مدى تقبل المواطنين واقتناعهم أو مدى رفضهم لأخذ اللقاح. ومما يذكر هنا للدولة الاردنية انها كانت من الدول السباقة في توفير اللقاح واعطاءه للمواطنين في محاولة للعودة الآمنة للحياة الطبيعية على جميع الأصعدة الاقتصادي منها والاجتماعي. وقد ضرب الاطباء والممرضين في القطاع الصحي مثالا يحتذى به فقد اقدم العاملين في القطاع الصحي على أخذ اللقاح كونهم خط المواجهة الأول في التعامل مع الإصابات مما قد يؤدي الى تعرضهم لمخاطر الإصابة بالمرض.

وإذا نظرنا الى مدى تقبل الأردنيين لأخذ اللقاح بأنواعه المختلفة وربطنا ذلك بالمكان و-الديموغرافيا- نجد أن أكبر نسبة من السكان الذين سارعوا لأخذ اللقاح هم سكان المدن وبالذات سكان العاصمة عمان لدرجة ان الاقبال على أخذ اللقاح من قبل سكان عمان قد دفع بعضهم الى التسجيل لأخذ اللقاح في مدن خارج عمان وذلك لتدني الإقبال على المطاعيم في هذه المدن وبالتالي سرعة الحصول على موعد اللقاح.

وهناك اسباب عدة للتباين المكاني -الديمغرافي- في الاقبال على أخذ المطعوم ومن اهمها درجة التوعية والوصول الى الفئة المستهدفة لأخذ اللقاح. فحملات التوعية المتواضعة والتي تركت للمواطن مسؤولية توعية نفسه وتثقيفها حسب الادوات الموجودة والمصادر المتوفر لديه لم تكن فعالة. مما أدى وبشكل طبيعي الى اقبال سكان المدن وخاصة العاصمة على اخذ اللقاح بسبب قدرتهم على الوصول الى المصادر العلمية والاطباء والخبراء بسهولة وبسبب توافر الادوات التي تمكنهم من توعية انفسهم حول اللقاحات المتوافرة وتأثيراتها ومدى سلامتها.

ثم جاءت حملات التوعية الوطنية بإهمية أخذ اللقاح والتي شملت جميع مناطق المملكة ولا يزال أمام الحكومة شوط كبير للوصول الى جميع المواطنين وتلقيهم اللقاح ولكن التركيز على التوعية والتثقيف الجماعي في كل مناطق المملكة كان من اهم الخطوات في الاتجاه الصحيح لمكافحة الجائحة. وهناك أيضاً اساليب اخرى استخدمتها الحكومة لتشجيع المواطنين في كافة ارجاء المملكة على اخذ المطعوم وقد اثبتت هذه الاساليب نجاحها لهذه اللحظة من خلال الارقام ومن هذه الاجراءات التشجيعية السماح للمواطنين الحاصلين على المطعوم بالتجول بعد ساعات الحظر والسماح لمن هم فوق سن الخمسين بأخذ اللقاح بدون موعد وغير ذلك.

أما بعض المواطنين الذين كانوا قد شككوا بوجود الجائحة بدءاً ومن ثم بجدوى اللقاح وفعاليته فكانت الاصابات التي تقترب من دائرتهم المحيطة بل وإصابة بعضهم بهذا المرض كفيلة بتغيير آرائهم في هذا الشأن. فإصابة المواطنين انفسهم او إصابة قريب اوصديق وتعرضهم للخطر وزيادة حالات الوفيات وتسارعها كانت كفيلة لتثبت وجود المرض وانه ليس مرضاً عادياً بل جائحة لن يخفف من حدتها ومعاناة الانسان منها الا اللقاحات الآمنة.

ومن ثم يظهر عامل التواصل مع العالم الخارجي والاطلاع على تجربة البلاد التي اخذ سكانها اللقاح واصبحوا قادرين على العودة الى حياتهم كما كانت في سابق عهدها مثل الولايات المتحدة الامريكية حيث تمكنت بعض الجامعات هناك من تنظيم حفلات تخريج جامعية من دون ارتداء الكمامة مع المحافظة على التباعد والتعقيم ! إن الاطلاع على تجارب البلدان الأخرى له دور كبير في تشجيع المواطنين على اخذ المطعوم اقتداءاً بتلك التجارب الناجحة حيث اننا لم نقم بإعادة اختراع العجلة بل قمنا بتطبيق احد النماذج التي طبقت في احدى الدول العظمى.

ومن السمات التي تميز المجتمع الاردني والتي كان لها انعكاسا طيبا في تجربة المطاعيم سمة الجماعية Collectivism والتكافل. وظهرت هذه السمة بشكل ملحوظ في اقبال الشباب على أخذ المطعوم كنوع من العناية والرعاية والشعور بالمسؤولية اتجاه الكبار في السن.

فالجماعية والتكافل قيمة وثقافة مجتمعية من ناحية ومن ناحية اخرى هي قيمة دينية مسيحية واسلامية على حد سواء. حيث ان من اكثر الاسباب التي دفعت المواطنين لأخذ المطعوم حماية الكبار في السن في العائلة من الامهات والآباء والاجداد والجدات. قيمة حماية كبار السن ورعايتهم ظهرت في هذه التجربة بشكل واضح وكانت من الاولويات الظاهرة في الأردن لدى الحكومة عند توزيع اللقاحات ولدى المواطنين وهي قيمة ايجابية ساعدت على تدوير عجلة اخذ المطاعيم.

ومن التوجهات التي ساهمت في تثبيط اخذ المطاعيم توجه الخوف من المجهول وعدم الثقة في القادم غير المجرب لدى المواطنين. فعدد كبير من المواطنين ابدوا شكوكهم في فعالية المطاعيم بل وتخوف بعضهم من زرع شرائح للتتبع من خلال المطعوم ! وكان هناك تخوف من المطاعيم التي استخدمت تقنية ال RNA الجديدة .

وفي هذا السياق علينا ان نتذكر ان الجهل يؤدي الي الخوف وإن الأخذ بالأسباب سابق للتوكل على الله ومن ثم الاقدام على الحلول المتوافرة. إن القضاء على الخوف والأخذ بالأسباب يأتي من خلال التثقيف الفردي والذي تقع مسؤوليته على الفرد والتثقيف الجماعي والذي تقع مسؤوليته على الحكومة. وبالرغم من ذلك نجد إن بعضاً من القلق هو أمر طبيعي ومبرر ولكن ليس الى حد الذهاب الى نظريات المؤامرة المضحكة والتي يمكن ضحدها من خلال الأخذ بالأسباب من خلال القراءة والاطلاع والرجوع الى الجهات الرسمية والاطباء والخبراء والمصادر العلمية العالمية المتوافرة على شبكة الانترنت.

ان جائحة كورونا جاءت كاختبار للبشرية بأكملها على جميع الاصعدة وقد كشفت مواطن ضعف ومواطن قوة عديدة على مستوى الدول وعلى مستوى الأفراد مما يحتم علينا الرجوع دائما الى هذه التجربة الصعبة ودراسة وتحليل الابعاد الاجتماعية والثقافية والانسانية التي فرضتها ومدى التغيير الذي احدثته في مجتمعاتنا وقيمنا.

ختاماً، ان العالم بأكمله الآن امام مفترق طرق فبالرغم من المؤشرات الايجابية التي تدعو الى التفاؤل لا زال الخطر قائماً. فإما العودة الآمنة الى الحياة كما كانت بتفاصيلها قبل الجائحة وإما الرجوع مرة أخرى الى المربع الأول في مكافحة الجائحة من حظر وإغلاقات في حال تزايدت الاصابات والوفيات مرة اخرى لا قدر الله. ولكن الى ان تتضح خارطة الطريق ومعالمه القادمة لا خيار لنا إلا أن نبقى محكومين بالأمل!





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :