دمعت عيناي حزناً على "أم عمر" وهي كويتية ، حين جاءتني معلومة ، البارحة ، انها من بين أسرى سفن الحرية.
"ام عمر" كويتية فاضلة ، اكاد اسميها احيانا بأنها كويتية من مدينة الكرك ، او كويتية من مدينة عجلون ، وفي حالات اخرى كويتية من مخيم الحسين ، وحين ذهبت الى المطار لاستقبالها ذات يوم في رمضان ، كانت قد جاءت بعد ان قرأت سلسلة "الحالات الانسانية" التي تنشرها سيدة الصحف الاردنية "الدستور": فجاءت لتساعد الناس في رمضان.
وصلت يومها قبل الافطار بقليل ، وحين كنا في الطريق الى عمان ، كان همها وشغلها الاول ، ان آخذها الى اكبر عدد من البيوت في عمان ، وخارج عمان ، لمساعدة الناس ، امضينا افطارنا ومعها نجلها واخت كويتية اخرى ، وصديق اردني عزيز كان حلقة الوصل بيني وبينها في الكويت اساسا ، وما ان انهينا الافطار حتى رتبنا لان تكون جولتنا بعد صلاة التراويح.
تشققت قدماي وانا ألهث معها في مخيم الحسين وصويلح ، من بيت الى بيت ، دخلنا عشرات بيوت الايتام المحتاجين حقا ، كانت تساعدهم بلهفة بالغة ، وكأنهم اهلها ، ومن بيتها ، واخذتها يومها ومن معنا ، الى فقير يعيش في كهف في باطن جبل ، وكانت الساعة تقترب من الثانية ليلا ، حتى كدت ابكي من التعب ، وهي لا تتعب ، ولا انسى ابدا غضبها لله على حالة الرجل ، الذي نقلته واستأجرت له بيتا.
ذات القصة تكررت في الكرك ، حين ذهبنا الى الكرك ، فعلت الذي فعلته ، واكثر ، ومن بيت الى بيت ، لا تطلب من الناس شهرة ، وقد جلبت معها ايضا مساعدات عينية وزعتها مع المالية ، تلك هي اخت العرب ، وابنتهم ، التي على مدى ايام متواصلة جعلتني اصوم رمضان وكأنه عدة شهور في شهر واحد ، من فرط التعب ، وبقيت لايام جالت في عمان والكرك وعجلون على ذات الطريقة ، توزع مالا لله ، من مالها ، ومن مال الاهل في الكويت.
دمعت عيناي لاجلها حين عرفت انها اسيرة هناك في فلسطين المحتلة ، ابنة العرب ، التي جاءت مع الشجعان في السفن لاجل غزة ، واكاد اتخيلها اليوم ، واتمنى لو اكون معهم ، لارفع من معنوياتها ، او لاطلب منها ومنهم رفع معنوياتي انا ، لان من هناك سعداء حقا ، والتعساء فقط هم مثلي اولئك الذين ينامون مثل عابري السبيل ويتفرجون على قضايا الامة ، ويزمون شفاههم قهرا.
لم تكن "ام عمر" ارهابية كما يقولون ، ولم تكن تمول الارهاب ، ابنة العرب التي لها قلب من نور ، تبحث عن المظلومين والفقراء والايتام ، في كل مكان ، وتزور كل عام بلدا او بلدين عربيين او مسلمين ، لمساعدة الناس ، في رمضان وغيره ، ويسعى المرء معها سعي الباحث عن رضى ربه ، لان هذه هي التجارة الرابحة ، فعن اي ارهاب يتحدثون.
لأم عمر من اهلها في الكرك وعجلون وصويلح ومخيم الحسين ، لأم عمر ولكل واحد من اسرى القافلة حبنا واحترامنا لانهم علمونا فقط ان لا تغيير يجري ونحن جلوس في بيوتنا ، وان هناك في هذه الامة العظيمة نبضا وقلبا لا يتوقف عن الخفقان ، حتى يشاء الله امرا كان مفعولا.
ابرهة وفيله ، لا يعلمون اننا كلنا ابناء "أم عمر"،.
mtair@addustour.com.jo
(الدستور)