الهفوة السياسية والحرق السياسي
د. كايد الركيبات
27-06-2021 09:51 AM
يعد المخزون المعرفي للمشتغلين في المجال السياسي من أهم عناصر النجاح في تقديم الذات، فكلما استطاع السياسي أن يطور ثقافته المعرفية ويتعامل مع مصادر مختلفة من مصادر الحصول على المعلومات كلما كانت قدرته في التعبير عن رأيه أكبر، وكلما تمكن من نقد المعلومات التي يحصل عليها ويحللها لاستخراج الحقائق التي تتضمنها كلما توفرت فيه المصداقية والموضوعية.
في حين أن ركون السياسي إلى مصدر محدد الاتجاه من مصادر المعرفة سيقوده في نهاية المطاف إلى تبني فكر سياسي منغلق على محاور فكرية موضوعية تخدم فكرة حصرية يعايشها، وهذا ما سيعرضه للوقوع في "الهفوة السياسية" والهفوة السياسية مصطلح نقصد به الزلة أو الخطأ في التعبير سواء كان ذلك التعبير شفوي أو كتابي.
والرابط الوثيق بين الهفوة السياسية والمخزون المعرفي للسياسي يمكن ملاحظته في إدراج السياسي للتعبير الصادر عنه بشكل بديهي دون الالتفات إلى المعاني التي يمكن أن يُفسر بها الجمهور المتلقي مضمون هذا الخطاب، والذي يعد في النهاية قولاً منسوباً لهذا السياسي سواء عناه فعلاً أو أنه لم يدر في خلده أبداً، وعليه أن يتحمل تبعاته، لأن الجمهور المتلقي لهذا الخطاب سيبدأ يربط مفهومه لمضمون هذا الخطاب مع التكوين المعرفي الذي يكون متوفراً لديه عن مصداقية وموضوعية هذا السياسي الذي طرح الخطاب وصاغه وفق هذا الأسلوب، ولن تُجدِ حينها كل مبررات حسن النية، وصنوف الاعتذار.
وعلى الرغم من أن مفهوم مصطلح الهفوة السياسية في نظرنا يكون في الأصل نتيجة الزلة أو الخطأ، إلا إنه قد يتولد لدينا اعتقاد آخر ــ وإن كان إلى درجة كبيرة يمثل حالة من الشك ــ وهو أن السياسي كان فعلاً يؤمن بما عبر عنه ويتبنى حقيقة كل المضامين التي عبر عنها نتيجة أحادية مصدر المعرفة والمعلومة التي كانت متوفرة لديه، إلا أنه قد تماثل له خطأ رأيه وعدم دقة معلوماته نتيجة ردة الفعل التي ظهرت من الجمهور المتلقي للخطاب السياسي، فكان الخيار الوحيد أمامه للتراجع ادعاء الوقوع بالهفوة السياسية، وهنا تكون الهفوة السياسية حققت ركنيتها من جديد لكن بمفهوم متطور آخر هو الحرق السياسي.
والحرق السياسي حالة اشد ضرراً على السياسي لأن نتائجها مؤثرة على مستقبله السياسي، ومعالجة الأضرار الناتجة عنها تتطلب تداخل كبير بين عنصر الزمن وعنصر الثقة المجتمعية، فعنصر الزمن مهم من ناحيتين الأولى قدرة الذاكرة المجتمعية على النسيان أو على الأقل التجاوز عن الهفوة السياسية التي أدت إلى الوصول إلى هذه الحالة، والثانية قدرة السياسي على إعادة بناء الثقة بينه وبين الجمهور، وعدم القدرة على تحقيق ذلك سيؤدي إلى التهميش السياسي.
kayedrkibat@gmail.com