نُذُرُ أيامٍ صعبةٍ مُقبلات؛ أسعار معظم السلع ارتفعت، وفي المقدمة منها أسعار المحروقات. نذر بطالة ستشمل قطاعات جديدة لم تكن قبل كورونا موجودة. صعوبات وشظف عيش وتعثر تدبير أمر سيمتد، والله أعلم، لعامين على أقل تقدير. نذر حيرة ولاءات. نذر ضياع بوصلة واحدة يتحرك الأردنيون جميعهم نحوها، ويدركون من شعاع وضوحها الأشياء، ويتثبتون من مكان الرأس في أجسامهم، ومكان باقي الضلوع.
على صعيد أوسع قليلًا، وبأقلِّ كثيرٍ من (مقرط العصا)، مؤشرات تململ لافت (فلسطينيًّا) من المحتل ووكلائه. مساعي أخّاذة لجعل كل القضايا قضية واحدة: قضية غزة وقضية فلسطين الداخل وقضية الضفة الغربية (مناطق السلطة الفلسطينية)، وطبعًا قضية القدس ومقدساتها ومختلف متعلقاتها، ليس بدءًا بحي الشيخ جرّاح ولا انتهاء بسلوان ومسيرة الأعلام ولهاث التهويد المسعور، صارت جميعها قضية واحدة ممتدة، هي قضية تحرير فلسطين كل فلسطين.
وما جرى في العشر الأواخر من رمضان الماضي، أعاد البوصلة إلى وجهاتها الصحيحة، وأحيا الدفق من جديد في دم فلسطين وأحلام شعبها بالتحرير والتحرر واستعادة الحق والكرامة والمعنى.
فما الذي يحدث في المتعيّن من الوقت الآن؟ لمصلحة من تستعاد الأسطوانة المشروخة حول من انتصر في معركة الكرامة؟ الذي انتصر في معركة الكرامة هي الكرامة، الرغبة في الذَّوْدِ عن آخر موطئ قدم لنا في أرض الوجود بعد نكسة مهينة. وهي رغبة كانت تسكن كل إنسان عربي بمعنى إنسان وبمعنى عربي، ولو تصادف وجود أشقاء من جيبوتي، أو الصومال، أو جزر القمر لحظة العدوان الغاشم، ما كانوا عدّوا للعشرة قبل أن يغتنموا فرصة الرد حتى آخر قطرة دم في دنيا الفناء، فالعدو هُنا ليس أي عدوٍّ، إنه عدو الله والأرض والخير والدّين والحق والوجود. وعليه الكل قاتَل والكل استبسل والكل أدلى بدلوه. صحيح أن سلاح المدفعية والدروع كانت له الكلمة الفصل، ولكن الانتصار النهائي الماحق الحاسم الجارف العاصف غير الموصوف ولا المسبوق، ما كان ليتحقق لولا كل تفصيلة حدثت فوق أرض المعركة، ولولا بطولة هُنا، وبسالة هُناك، وعبقرية مشهورية جازية هُنا وهُنا وهُناك.
(علامكو) يا جماعة الخير، (شو اللي صار لعقول الناس)، دعوا الكرامة تنعم بكرامتها وشموخها، وما يظل الكل (يلغْوِص) فيها، لا يدري إلى أين تمضي بنا مراكبنا، عفوًا أقصد مركبنا، فنحن جميعنا في مركب واحد: مركب القدس وفلسطين والوصاية الهاشمية، والعدو الذي قلّ عقله وحاول معنا في آذار 1968، جاءنا من أرض احتلها كانت تسمى فلسطين، صارت تسمى فلسطين، وسوف تبقى فلسطين التي لكل الفلسطينيين وللعرب والأخيار والأحرار أجمعين.
إمّا لتحقيق أجندات يريد بهذا الزعيق والتهويش والتخويف والتصويب غير الصايب، أن يحققها، ولكن على مين، كل الأردنيين الأشراف والفلسطينيين الأحرار يقولون لكم لن تمّروا هذه المرّة.. هذه المرّة لن تمرّوا.
ثم إن الناس يحبّون أن ينسبوا أنفسهم للنجاح والناجحين، مش لمّا بفلح واحد من القرية أو العشيرة بصير الكل قرابته اللزم وابن عمه خَص نَص، وبالتالي من ودّ أن ينسب لنفسه بعض مجد الكرامة فليفعل، فهذا لأنها كانت كرامة بحق وحقيق، مش (تشذب ولعانة والدين). ألم تقبل بعض العشائر الراغبين نسب أنفسهم لها (لفوف)، طيب شو المشكلة يعني. والأمر والأدهى اللي ببلش يطخ يمال شمين (قصدي شمال يمين) وهو مش عارف شو السولافة، وعليّ النعمة اللي قاعدين بكفّره عريب الرنتاوي (على فكرة لا يعنيني مع احترامي له ولا بنكلة)، تسعة أعشارهم لم يقرأوا مقاله المستهدف بالطعن والملاحقة، لأني لمّا قرأته لم أجد فيه أي (إشي برّا الطريق).
إصحوا يا حبّات العين ومية العين، إصحوا، ومعلش أوّل مرّة بحياتي أكون زاجرًا وموجّهًا، بس خلص صار بدها شوية وعي، شوية.. شوية.. هالقد قدهن اللي يقدرن يعدّونا بسلام واستعداد تام لمرحلةٍ أرجو أن لا تكون صعبة ومعقدة وفيها ما فيها.
كلُّنا في مركبٍ واحدِ وخِلِص الكلام.