هناك ما يدعو إلى الإيجابية والتفاؤل؟
خالد دلال
26-06-2021 12:19 AM
لنكن جميعا جزءا من ذلك. فهناك فعلا ما يدعو إلى الإيجابية والتفاؤل عبر ما شهدناه من أحداث وقرارات وفعاليات خلال الأسابيع والأشهر القريبة، تصب بمجملها في حماية مصالحنا الوطنية العليا وتعزيز هويتنا الجامعة، بحاضرنا ومستقبلنا.
ومنها ما شهدناه من جهود رسمية وشعبية مخلصة، من إجراءات وقائية وسلامة عامة وحملات تطعيم وطنية وغيرها، لمواجهة وباء العصر العابر للحدود، حتى أضحينا قاب قوسين أو أدنى من التعافي التام من كورونا وشرورها. صحيح أن الوباء قد تمادى في ضرب أركان الزمان والمكان من حولنا، صحية كانت أبعاده أم اقتصادية أم اجتماعية، لكن إرادة الحياة لدينا بقيت وستبقى أقوى، وها هو الوباء يتقهقر حتى يصبح ماضيا يروى في أحاديث الجد لأحفاده.
ومنها أننا عدنا إلى ممارسة حياتنا شبه كاملة، والانطلاق مجددا قريبا بقوتنا القصوى عملا ومرحا وسفرا وغير ذلك، مقدرين فضل الله علينا أن حمانا من ضربات الوباء العنيفة مقارنة بدول أخرى، وما عانته بالأرقام المفجعة من خسائر في الأرواح والاقتصاد.
ومنها ما لمسناه، من فعل لا قول، من سيادة للقانون. فلا استثناء على القاعدة لأحد مهما تعالت المراتب والرتب. الجميع سواسية كأسنان المشط أمام القانون هو ما يجب أن يكون نبراس الحياة وإيقاعها في قادم الأيام بل السنين بل العقود، لنعبر بذلك إلى مئويتنا الثانية بكل عزيمة وثقة، معاهدين النفس للاستمرار بتعزيز أركان الوطن، ومسترشدين بحكمة القيادة، مظلتنا الجامعة التي نفيء بظلها مهما اختلفنا في التفاصيل، فكلنا في الهوية وحب الأردن واحد.
ومنها ما حفز العقول ووحد النفوس وأثلج الصدور بإطلاق اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، لتكون فرصتنا التي لا نقبل إلا أن تنجح تأسيسا وتجذيرا للإصلاح السياسي، وما يتبعه من اقتصادي وإداري. صحيح أن الطريق ليس مفروشا بالورود كما يهوى البعض، لكن عبوره حتمي لنصل إلى ما نستحق وتستحقه الأجيال المقبلة من ثوابت لا نحيد عنها لبناء الوطن النموذج، الذي ضحى الآباء والأجداد بالغالي والنفيس لإعلاء كلمته وأسسه، وما واجبنا إلا أن نكون على قدر المسؤولية حفاظا على ذلك وترسيخا له.
ومنها تلك الجهود التي تبذل لدفع عجلة النمو إلى الأمام بإحياء مختلف القطاعات ما بعد كورونا، ولعل السياحة مثال بارز على ذلك، ما يوجد فرص العمل ويحارب البطالة وما يتبعها من عوز وفقر. إلا أننا بحاجة إلى برامج تحفيزية أكثر لمختلف القطاعات، خصوصا الاستثمارية منها، ليكون الأردن مقصدا تتهافت عليه الأعمال من شرق الأرض وغربها. وهو ليس من الصعوبة بمكان، كما يتصور البعض، إذا ما توافرت الإرادة والفعل لذلك، على أن يكون الصالح العام ما نبتغيه. فإن صلحت النوايا صلح ما بعدها.
ومنها ما شهدناه من احتفالات بمئوية الوطن، لنقدم قصة نجاح نتناقلها بكل فخر واعتزاز. على أن التجسيد الأعلى لذلك يكون بشحذ الهمم والإيمان، عقيدة وممارسة، بالعمل والاجتهاد والمثابرة سبيلا لإعلاء شأن الوطن على مختلف الصعد. ولعل من جملة أفكار الاحتفال بالمناسبة العزيزة على قلوبنا إنتاج دراما أردنية، محبكة النص والإخراج، لتروي لأجيال الوطن قصة كفاحنا بماضينا وحاضرنا ومستقبلنا. فالتاريخ تاريخنا إن كتبناه بيدنا لا بيد غيرنا.
هذه بعض أمثلة، لكن الإدراك الإنساني في مختصر القول يقودنا إلى أنه لا طائل من السلبية والتشاؤم. فحتى وإن قضينا العمر كله في ذلك، فلن يفيدنا الأمر شيئا إلا تعب النفس والجسد. ليكن محركنا طاقتنا الإيجابية تعزيزا للأمل الذي كان وما يزال الدافع وراء أعظم إنجازات البشرية من سبر الكون الفسيح وغيره. وفي النهاية، فإن حياتنا تعتمد على زاوية الرؤية لكل منا، تجسيدا لقول الكاتب الكبير جبران خليل جبران: “هناك من يتذمر لأن للورد شوكا، وهناك من يتفاءل لأن فوق الشوك وردة”. وتبقى حرية القرار لنا جميعا في تحديد البوصلة ما بين الشطر الأول لقول جبران وشطره الثاني.
(الغد)