التنافس الروسي الايراني في الشرق الأوسـط
د. عثمان الطاهات
25-06-2021 09:12 AM
تنظـر روسيا إلى إيران كامتداد جغـــرافي حيوي، يشكل أحد المعابر البرية باتجاه المياه الدافئة في الخليج والمحيط الهندي، ولإيران مخارج على كل نقاط أوراسيا الاستراتيجية.. وهذا التواصل الجغرافي يفرض تواصلا جيوسياسيا بين روسيا وإيران، وقد استفادت إيران من علاقاتها الجيوسياسية مع روسيا، لاسيما بعد أن أصبحت قوة إقليمية مهمة في الشرق الأوسط ووسط آسيا. (تشكل مساحتها ما يزيد على مليون وستمئة ألف كم مربع، ويتجاوز سكانها 80 مليون نسمة، ويبلُغُ ناتجها الإجمالي نحو تريليون دولار).
تنظر القيادة الإيرانية والقيادة في روسيا بصورة سلبية إلى سياسة الولايات المتحدة الأميركية، التي فرضت عقوباتٍ على كلا البلدين، ويحتل رفض الهيمنة الأميركية موقعا أساسيا في مبادئ السياسة الخارجية لإيران ولروسيا على الساحة الدولية ففي حين تجابه روسيا الهيمنة على المستوى العالمي، فإن إيران تحاول الحد من النفوذ الأميريكي على المستوى الإقليمي.
من هذا المنظور يمكن عد موسكو وطهران شريكين استراتيجيين. فللمرة الأولى منذ عام 1979، تسمح إيران لقوات عسكرية اجنبية الانتشار على أراضيها حيث وفرت روسيا الغطاء الجوي وقدمت ايران القوات الارضية ونتج عن هذه الجهود وأخرى، المساهمة في هـزيمة تنظيم "داعش" الإرهابي في سوريا ، ومنذ ان أعلن مبعوث الرئيس الروسي، الخاص إلى سوريا (ألكسندر لافرينتيف) ضرورة انسحاب القوات الاجنبية من سوريا، وأن يتم ذلك بشكل شامل، ثارت في طهران موجة من التصريحات التي ترفض هذه السياسة الروسية الجديدة.
إن الوجود الإيراني في سوريا يهدف إلى إحداث توازنٍ في السلطة مع جهات اقليمية ودولية اخرى لها مصالح في سوريا، فضلًا عن سعي إيران إلى توسيع نفوذها في المنطقة، وتحسين وضعها الاقتصادي والمتغير الآخر يتعلق بطبيعة الدور الايراني وهو مهم بالنسبة للولايات المتحدة، وهي تدعو إلى ضرورة تحديد الدور الايراني في المنطقة، رغم أن هذا الأمر تم في عام (2015) بالتوافق مع إيران، وهو الذي مهد للاتفاق النووي الايراني ومن جانب آخر،نجد الاستراتيجية الاقليمية الايرانية، قد أولت التحالف أو التشارك مع القوى الكبرى اهمية كبيرة حيث لهيمنة الأمريكية على مجمل التفاعلات الاقليمية والدولية نجد ان الاستراتيجية الإيرانية قد وجدت ضالتها في التحالف مع روسيا، من خلال اتفاقيات الشراكة الاقتصادية والتعاون الامني والطاقوي.
ولا ننسى أن روسيا تحاول تمتين العلاقات الاقتصادية مع دول الشرق الأوسط، وشمال أفريقيا وجنوب آسيا من خلال محور شمال- جنوب، وهنا تلعب إيران دور " الدولة الترانزيت" ذات الأهمية المحورية بالنسبة إلى روسيا.
إن التدخل العسكري الروسي في الازمة السورية أدى إلى تقليل النفوذ الايراني في سوريا في حين يجب أن نأخذ في الحسبان أيضًا، أن روسيا في سياستها تأخذ امن اسرائيل في الحسبان - وليس سوريا وَحدها- وهذا غير مقبول من جانب طهران، التي تستخدم حليفها "حزب الله" كسلاح ضغطٍ جيو-سياسي على حدود "إسـرائيـل". فوق ذلك، فإن موسكو تصر على أن تسدد طهــران قيمة السـلاح الذي تشتريه من روسيا وهناك من يرى أنه يجري تفاهم روسي-أمريكي-إيراني-إسرائيلي على صنع شرق أوسط جديد، تؤدي فيه روسيا مع هذه القـوى – الدولية والاقليمية - دَوراً مهماً.
مما سبق، نخلص إلى ان التنافس الروسي – الايراني عـلى اشده في منطقة "الشرق الأوسط" حاليا، من منطلق تحقيق المصالح الاستراتيجيَّة لكلتا الدولتين، خصوصاً من ناحية الاستفادة الاقتصادية من المنطقـة، وسياسيا من خلال المشاركة في إيجاد تسوياتٍ ملائمةٍ للأزمـات التي تعيشها الدول الموجودة في دوامـة الصراعات المسلحة من خلال مبيعات السلاح، والجوانب العسكرية واللوجستية الاخرى مثل: الجوانب التنظيمية والخبرات التدريبية وغيرها.. ومع الإدراك الُروسي- الإيـراني المتزايد لاهمية "الشرق الأوسـط"، من الجـوانب المشار إليها سلفاً، سـوف يتواصـل التنافس مستقبلاً، والسباق نحو تحقيق المصالح الاستراتيجية المتقاطعة.