لم اجد الموضوع يستحق الاستفزاز الموجود على الفيسبوك والحقيقة بان الاستفزاز ناتج عن ايراد عبارة لم يقلها عريب.
المقالة قصد بها رسالة الى السلطة الوطنية الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية ولم تكن موجهة للاردن وهي مقارنة بين موقف فتح في معركة الكرامة وموقف حماس في اسوار القدس وترك استخلاص النتائج للقارئ، المغالطة هي اعتباره بان الموقفين متماثلين فحماس كانت مبادرة في اسوار القدس وبينما فتح كانت مرغمة على خيارين اما الانسحاب من مخيم الكرامة باتجاه المنطقة الجبلية او الصمود في المخيم والقتال وقد اختارت الصمود وخيارها (الصحيح/ الخاطئ) هو نقطة خلافية تحولت بمعجزة الى خيار صحيح ولعل التحول نتج بفضل ميكيافيكلية عرفات وتعامله الناجح مع الاعلام وتكاسل الاردن السياسي عن اعلان النصر فاعتقد العالم العربي وعلى راسهم مصر بان المعركة قد خاضتها فتح بدون مشاركة احد وانها ارغمت الجيش الاسرائيلي على الانسحاب وهي كانت في طور البحث عن شريك فلسطيني يديم تسخين الجبهة بعد ان بدات بفقدان الثقة في شركائها الاصليين من حركة القوميين العرب.
حاول مدير الاستخبارات العسكرية غازي عربيات ورئيس هيئة الاركان عامر خماش التاثير على ابواياد لاقناعه بالانسحاب قبل موعد المعركة بتاريخ 18 اذار وزودوه بمعلومات دقيقة عن موعد وحجم القوة المشاركة وحددو اهدافها الاستراتيجية ومحاور الهجوم وهذا نصر للاستخبارات العسكرية الاردنية يعترف به عدد من الخبراء العسكريين ومنهم دوبوي في كتابه عن الحروب العربية، قام عرفات بمغامرة محسوبة المخاطر بابقاء قوته ضمن المخيم وهو يعلم بانه هدف الهجوم الرئيسي واما سبب قراره غير الخاضع للمنطق العسكري فانني ارجعه الى اجتماعه السري بعدد من الضباط الاردنيين وسؤالهم عن مشاركة الجيش الاردني حال دخول الجيش الاسرائيلي وكانت الاجابة التي تلقاها بان الجيش الاردني لن يقف مكتوف الايدي اذا دخل جندي اسرائيلي واحد الضفة الشرقية وبناء على هذا فانه قرر بقاء قوته واما القادة فاثروا السلامة وهي عادة تكررت في كل الحروب مع اسرائيل والعودة كمنتصرين بعد زوال ضباب المعركة وهذا الانسحاب يمكن ان يبرر في معركة تعرضية ولكن لا يوجد له تبرير في معركة دفاعية او حصار.
التيار اليساري الذي انتقده عريب وغيره اعتمد على المعطيات وقرر الانسحاب بقوته وحفظها من تدمير مؤكد علما بان جورج حيش كان في السجون السورية ومتخذ القرار احمد جبريل وهو ضابط سابق في الجيش السوري وخلفيته العسكرية هي التي املت عليه القرار, منطق حرب العصابات يقتضي المرونة وعدم مواجهة الخصم في قتال جبهوي وانما بان تصبح خلفية العدو هي مقدمة الهجوم (ماوتسي تونغ) ولذلك فان عريب قد وقع في الخطا الثاني عندما اعتبر بان الجبهة الشعبية قد خالفت منطق حرب العصابات والتي اهم مبادئها عدم التمسك بالارض والتصرف كالنحلة التي تلسع في مواقع مختلفة وبحيث تنهك قوة العدو.
العامل الثاني الذي دفع عرفات الى المعركة بعدما اطمأن الى مشاركة الجيش العربي هو المنافسة مع الحركات الفلسطينية الاخرى وهو عامل يلعب دور رئيس في الحركات المسلحة حيث ان الرغبة في العنف والقدرة على تنفيذه هي ما يسترعي انتباه الدول المانحة والجماهير ومنافسه في ذلك الوقت هما الجبهة الشعبية التي انبثقت عن حركة القوميين العرب ومنظمة التحرير الفلسطينية وكلاهما يمتلكان الدعم الناصري وبدرجة افضل من فتح والتي دعمتها مصر عن طريق التدريب والحاق ضابط ارتباط مصري وشحنات من السلاح ولكن كان على فتح ان تبرهن بانها تستحق الرعابة المصرية الناصرية لكي تسيطر على المنظمة (ابو جهاد), قوة فتح قبل بداية المعركة كانت متواضعة بين 600-1000 والجبهة الشعبية قبل ان تتمزق لاحقا الى 3 اقسام كانت 300-500.
نتيجة معركة الكرامة كانت متناقضة للجهات الثلاث المشاركة فبتقديري بان فتح قد خسرت المعركة عسكريا بفقدانها ثلث قوتها على الاقل (استشهاد 100 وجرح 100 واسر 120-150) بعد ان قاتلوا بشراسة وبالسلاح الابيض في معظم الوقت, ولكنها كسبت المعركة استراتيجيا وسياسيا حيث استطاع عرفات تسويق المعركة في معركة الرواية التي كانت اهم من معركة النار والبارود وبفضلها كسب تعاطف الدول الاشتراكية ومؤازرة جمال عبدالناصر الذي صحبه الى موسكو بجواز سفر مصري واما الجبهة الشعبية فقد خسرت مكانتها عند المصريين بسبب قرارها (الصائب / الخاطئ) وقد تكون ندمت عليه كثيرا. الاردن كسب المعركة عسكريا بكافة معطياتها وخسرها سياسيا بتلكؤه عن اعلان النصر وهذا تسبب لاحقا بجر الدولة نحو حرب كان بالامكان تفاديها لو فرض سيطرته على المنظمات بشكل كامل وهذا الراي عبر عنه عدنان ابوعودة في تحليل سياسي قدمه للملك الحسين في عام 1968.
اسرائيل كسبت نصف المعركة بتحقيق هدفها المعلن بالقضاء على مخيمات التدريب بفضل لواء المظليين 35 وهزمت في المحور الاوسط والجنوبي بفضل صمود الجيش الاردني واستبسال الدروع ودقة نيران المدفعية ولكن اسرائيل خسرت على المستوى الاستراتيجي حيث ان فتح القوة المتواضعة قبل 21 اذار انتقلت الى موقع اللاعب الرئيسي في 22 اذار وتقدم لها عشرات الالاف من المتطوعين حتى انها لم تعد قادرة على الاستيعاب وتحولت للعمل على جبهتين من الاردن ومن فتح لاند التي منحهم اياها جمال عبدالناصر في لبنان وهذا الاستيعاب غير المسيطر عليه ادى لاحقا الى فقدان السيطرة وانتشار العناصر المخلة بالنظام واختراق المنظمة من قبل الاجهزة الاسرائيلية والاجهزة الاخرى.
عريب ايضا يلمح لتماثل موقف حماس وفتح في ان المعركة هي تمهيد للسيطرة على القرار وهذا الموضوع يمكن ملاحظته من خلال استطلاع مركز الدراسات الفلسطيني الذي يديره الشقاقي حيث اكد 77% انتصار حماس وفقط 11% يعطون دور للسلطة الوطنية وبالاضافة الى انه في حالة الانتخابات حسب القوائم الحالية فان حماس ستحصد 36% من الاصوات وفقط 19 % لفتح برئاسة محمود العالول وقائمة ناصر القدوة 9% وقائمة دحلان 3% اي ان فتح قد خسرت الشارع الفلسطيني ولهذا فانه من الصعب على ابومازن بعد اسوار القدس ان يوافق على اجراء انتخابات تشريعية او رئاسية في موقف الضعيف وشبيه بموقف الحركة الشعبية بعد معركة الكرامة, ومع ذلك فاني ارى بان تسييس حماس الكامل سيقضي على هويتها ولن يكون لصالحها.
النقطة الاخرى بان حماس تقاتل انطلاقا من اراضيها ومن قاعدتها الصلبة على العكس من م ت ف التي لم تنجح في بناء قاعدة ارتكاز لها في الضفة الغربية وفي غزة وارتكزت على استراتيجية توريط الجيوش العربية.
شكلت معركة الكرامة نقطة فاصلة لمنظمة فتح بفضل معركة الرواية واما حماس فمسؤوليتها مضاعفة بتمسكها بادارة القطاع الادارية ومقاومة الاحتلال وهي اعباء كان بالامكان ان توزعها .
اما دور الجيش الاردني فلا اريد ان اتكلم عنه وتعبر عنه النتائج على الارض حيث استشهد 61 جنديا وجرح 108 وتدمرت 13 دبابة وعطب 20 و39 الية مختلفة والحقت بالجيش الاسرائيلي هزيمة كانت الاولي في تاريخه حيث قتل 28 وجرح 69 وتدمير 4 دبابات و 5 اليات واسقاط طائرة عسكرية (الارقام كما اوردها حاييم هيرتزوع) وهذا الكم الكبير من الخسائر في ظرف عدة ساعات يدل على حجم وعنف المعركة التي حدثت.