سلطة العشيرة ام سلطة الدولة
عبداللطيف الرشدان
24-06-2021 09:50 AM
العشيرة هي وحدة اجتماعية تجمعها رابطة الدم او صلات القربى والنسب او التحالف لمواجهة اية اخطار تحدق بها ولحماية أبنائها وممتلكاتهم واموالهم. وكانت العشيرة في الماضي تمثل سلطة داخلية من خلال الاعراف والعادات والتقاليد التي تحكمها وتطبقها مع أطراف عشائرية أخرى وتستخدمها للفصل في النزاعات والاحترابات وجرائم العرض والدم وذلك قبل نشوء الدول الحديثة التي تحكمها القوانين والأنظمة وتقوم على تطبيقها سلطة رسمية معينة وتمتلك قوة الالزام وفرض العقوبات واقرار الأمن والسلم.
وبقي هذا المفهوم سائدا في جوانب كثيرة من مظاهر الحياة حتى بعد نشوء الدول المدنية وقبل ترسيخ سلطتها وغلبة القانون فيها على الاعراف والتقاليد وبقيت بعض هذه المظاهر سائدة جنبا إلى جنب مع وجود سلطة القانون لقناعة الناس التي تولدت عبر عقود طويلة واصبحت صفات ملتصقة بشخصياتهم ولها قدسية في نفوسهم ولم يستطيعوا الانفكاك عنها كليا على الرغم من إحلال القوانين التي تنظم العلاقات بين الأفراد.
ولعل هناك من الأسباب الموضوعية والتاريخية ما يبرر سلطة العشيرة واعرافها في زمن مضى كان فيه التلاحم الاجتماعي والتعصب لروابط القربى والدم ومظاهر القوة والدفاع عن النفس والوقوف في وجه الأخطار وحماية أبناء العشيرة والحفاظ على وحدتهم ما يبرر هذا الشعور والالتزام به بحيث أضحى جزءا لا يتجزأ من شخصيتهم وبقيت تلك النزاعات مزروعة في نفوسهم بعد تطور الدول وسلطاتها.
اما اليوم وقد نشأت الدول ووضعت الدساتير والقوانين التي تنظم العلاقة بين الأفراد وبين الدولة والأفراد وبين الدول المختلفة في ظل سلطات قوية تمتلك أدوات الالزام والفصل في النزاعات وتحقيق التوازن بين الحقوق والواجبات فلم يعد هناك حاجة إلى سلطة العشيرة ويفترض ان يطبق القانون على جميع من يقيم على أرض الدولة دون تمييز او محاباة او تفضيل ويفترض في أبناء اية عشيرة ان ينصرفوا إلى احترام القانون والأحتكام اليه والرضا بحكمه بعيدا عن النزوات الفرديه والتعصب.
والواقع ان هذا الأمر ما يزال يشوبه الضعف ومازال التعدي على سلطة القانون واللجوء إلى العشيرة وسيفها يسيطر على بعض جوانب الحياة. وقد تعود اسباب ذلك إلى عدم توفر ارادة الدولة في ترسيخ سلطتها من خلال قوانين وإجراءات تكرس سلطة العشيرة ومن الأمثلة على ذلك حينما تلجأ الدولة إلى حتمية التمثيل العشائري في تشكيلة الحكومة ومجلس الاعيان وإعطاء مقاعد في مجلس النواب لقطاعات عشائريه وتخصيص مقاعد في الجامعات لابناء العشائر على الرغم من أبناء البلد الواحد كلهم ينتمون إلى عشائر نجلها ونحترمها.
العشيرة مؤسسة محترمه وتمثل روابط طيبة بين أبنائها وبين العشائر الأخرى ويمكنهم التعاون في مجالات الحياة العامة والتضامن في مناسبات الفرح والحزن والتعليم وتبادل العلاقات الاجتماعية وما إلى ذلك ولكن ليس للعشيرة ان تحل محل سلطة الدولة.
ان ترسيخ سلطة الدولة يتمثل في تعزيز سلطة القانون وشموليته وتطبيقه بحزم وإزالة الاستثناءات والفوارق بين أبناء المجتمع الواحد وتصحيح اية تشوهات تجانب أفضلية القانون وترسيخ الانتماء للاحزاب وإنهاء جميع المظاهر والإجراءات المخالفة للقانون.