تقع مساحة الاختيار بين الفعل وردة الفعل، هناك يقف الإنسان ليعد للعشرة ويختار أو يتصرف بسرعة كردة فعل على ما وقع وينتهي به الأمر حيث ينتهي.
لكن من يقف متريثاً ويفكر في طريقة التعامل مع الحدث يكون قد دخل في مساحةً الاختيار ، ويتعامل مع المعطيات الرقمية والشخصية والشحنات السلبية أو الإيجابية منها ، ضمن معادلات تتوافق مع متطلبات الحياة التي يرغب فيها.
في سابقة متكررة للطاقات البشرية الأردنية التي كانت تعمل في محيط الوطن وعندما وقعت عليهم الأحداث دون سابق إنذار ، استطاع الكثير أن يسيطر على مشاعره اتجاه الناس والمتسببين له بما حدث ، ووقف بكل قوة ضمن منظومة الاختيارات فكانت هناك نتيجة حتمية وصل إليها من سبقهم وهي الخروج من دائرة الصراع الذي لا يُغني ولا يسمن من جوع! نعم لقد اختاروا هجرة الوطن بلا تردد ، هذا الأمر جعل منهم أكثر الناس تأثيرًا ونجاحًا في استثمارهم لطاقاتهم في بيئة حاضنة وضمن آلية واضحة تعمل فيها عقول الاستشراف للمستقبل ومسرعات للعمل حقيقة.
لا أعتقد أننا بحاجة لمن يفسر سبب التراجع الكبير في شتى مجالات الحياة في الفضاء الأردني لأننا ببساطة نجد المبدع يهاجمه الأغبياء والمخلص يهاجمه الخونة والمبتكر يحاربه السارق والمنتج يتخلص منه المستورد والحرب ضروس بين البسطاء من محبي الوطن والمواطن وبين المستغلين لوجودهم وحاجتهم فالشباب بين المطرقة والسندان ، هذه الحالة الوصفية موجودة في كثير من البلدان العربية ولا يمكن أن يكون هناك فرصة للخروج من الازمة دون الاستفادة من أفضل الممارسات العالمية والعربية.
الأردنيون فخر في أي مجتمع تجدهم فيه في دول الخليج العربي وفي الإمارات العربية تحديدًا ، تلك الدولة التى بدأت مسيرتها في سبعينات القرن الماضي اليوم تحمل شعار التميز بأن تكون الأولى في كل المجالات. وحيثما نشاهد تميز يكون هناك بصمات واضحة للأردنيين ، صنعوا من الحلم حقيقة وكانوا فخورين بكل الأحوال، لكننا نقف متسائلين لماذا رحلوا عن الوطن ولا زالوا يرحلون؟!
الأردني الذي أبدع وتميز وتاجر واخترع وابتكر في كل مكان نزل فيه ليجد نفسه ناجحًا ومُرحباً به وبقدراته ، لماذا خرج ولم يعد ؟ مسكين يا وطني أنت تعيش في قلوبنا ونحن لا نعيش فيك ، المهاجرون اليوم أكثر رغم أنهم لا زالوا في جغرافية الوطن ، فقد هاجرت عقولهم وأفكارهم ، وغصت قلوبهم بالحزن على ما أصابهم، الهجرة الرقمية بوابة لا تحتاج جواز سفر ولا ركوب الطائرة هاجرت معهم أحلامهم فقط لأن هناك من يعجز عن العطاء ولا يستطيع التفكير سوي بالكسل والنهب والفساد ، لأن هناك من يعتقد أن له حقوق مكتسبة تعطيه الحق في التملك والوراثة ، وإن اسم القبيلة أو الرصيد البنكي وجواز السفر المشفر تجعله يحكم بشريعة الغابة.
هل تعرفون لماذا تفوقت علينا الدول العربية من حولنا , لأن سيادة القانون فوق كل الأسماء والشخصيات ولأن المميز يجد الاهتمام والرعاية مهما كان جنسه أو دينه أو لونه ، لأن الموظف الحكومي وجد نفسه يحاسب إذا خالف أو تاخر عن ساعات العمل ووجد المكافاة إذا تميز بالإنجاز، هل سيهاجر الجميع الوطن؟! ويجف الأمل !
احتضنوا الشباب فأبواب الهجرة الرقمية تنذر بالخطر.
حمى الله الأردن ومليكه وولي عهده ، وعاش الشباب.
(الدستور)