هل كان سيكفي أن تستشعر وقوع الكارثة بكابوس فجري يهمز نومك: فتنفر من فراشك مفزوعاً ، وتهرع إلى ريموت التلفاز تتأكد؟، ، هل كان سيكفي أن تحدس أن عدوك لا يعرف إلا لغة الدم كي تضرب الكف على أخيه؟،. هل كان سيكفي أن تخرج بمسيرة احتجاجية ، وتمزق علمهم وتدوس بقاياه المحترقة ، كي تنفس عن بعض غضبك البركان؟،.
هل كان سيكفي أن تتذكر قصيدة من زمن العنفوان ، تتمتمها عن تلاميذ غزة ، وعن دموع تتحول حجارة بأيدي الأطفال الأبطال؟،. هل سيكفي أن تبتكر مسرحاً مختلفاً ، تكون فيه المشاهد الوحيد ، والمخرج والممثل والكومبارس ، فما عليك ، فتدخل غرفة فارغة وتواجه جداراً متجهماً ، ثم توغل بالصراخ وبالشتائم على كل الذين ابتلعوا ألسنتهم منذ هزيمة أو هزيمتين؟، ، هل كان سيكفي أن تمزق بقايا شعرك ، أو تضرب مطار صلعتك العريض على سبيل التنفيس،،.
ثم هل سيكفي أن تتسمر أمام التلفاز علك تسمع تنديداً مشدودا بالجريمة الجديدة المتجددة؟،. هل سيكفي أن يتحول حبر الصحف في اليوم التالي إلى دم يعلق بالأصابع ، فتمسحه لتكتب عن الحب في زمن الحرب؟،. هل سيكفيك أن تتساءل في زمن هذه البلادة العربية والعالمية عن ذلك الذي يستطيع أن يسقط حرف الراء من هذه الحرب؟،. وبعد هذا ، هل ما زلت تؤمن أن الحرب والحب يخرجان من حنجرة واحدة،.
وهل يكفي أن تلكم بقبضتك الراعشة وجه الحيط ، وتلطم دفة الباب ، حينما تعلن الفضائيات عدد الشهداء الذي أرادوا كسر خشم الحصار بإصراره الأعزل؟،. هل سيكفيك أن لا تأكل شيئاً طوال النهار ، وتغص ببعض الماء؟، ، هل سيكفي أن تبكي في حضن كفيك ، كي تتطهر من قهر علق بحبالك الصوتية بعد صرختين مباغتتين؟،، ، هل سيكفي أن تضيع حشرجات بكائك بين الجماهير؟،. هل سيكفي أن تحمل شعاراً من كلمات غاضبة لا تقرؤها إلا حدقات الكاميرات ، ثم تتطاير في مهب الشوارع عندما يأتي المساء؟،،.
متعبون متعبون ، متعبون نحن حد نخاع العظم ، ونحتاج مسرحاً فارغاً إلا من جدار ، ندخله صبح مساء: علنا نخفف لهيب غيظنا ، ونتطهر من أدراننا التي تسرطنت وصارت أكبر من أحجامنا،، ، سندخل المسرح منفردين ، بعيداً عن هذا المسرح العالمي (الفاتخ) الذي انقلب الجميع فيه إلى متفرجين على جريمة ، أريد أن أواجه الجدار: لست أعني غزة ، وزمان العزة ، ولست أعني حقول البارود المبلول فينا ، أيها البارود المبلول إني لا أعنيك ، ولست أعني النار والدمار ، لست أعني الاشقاء والأخوان ولست أعني ضمير العالم ، لست أعني أحداً: صدقني لمرة واحدة يا أيها ا ل ج د ا ر،،،.
ramzi279@hotmail.com
(الدستور)