قصيدة (سيف القدس) غالبيتها اقتباسات قرآنية
داود عمر داود
21-06-2021 11:00 PM
كثير ما يوظف الشعراء آياتٍ من القرآن الكريم في قصائدهم لتخدم غرض القصيدة، أما أن يستخدم شاعر آيةً كريمة في غالبية أبيات قصيدته فهذا نادر الحدوث في الشعر العربي، قديمه وحديثه. وهذا بالضبط ما قام به شاعر عين كارم، وشاعر فلسطين، الأستاذ محمد خلاد في قصيدته الأخيرة (سيف القدس).
ويعتبر توظيف الآيات القرانية من أهم أدوات الشعر الحديث إثراءاً للقصيدة، وتوجيهاً للمتلقي إلى الناحية الإيمانية، خاصة في موضوع كقضية فلسطين، والمسجد الأقصى المبارك، التي يواجه فيها العرب والمسلمون عدواً يستخدم الدين كغطاء لإحتلال الأراضي المباركة.
لقد وظف الشاعر محمد خلاد في قصيدة (سيف القدس) آية في معظم الأربعين بيتاً التي تتشكل منها القصيدة، ذلك ان التناص مع الآيات الكريمة كان واضحاً تماماً. فمطلع القصيدة يبدأ بالاقتباس من قوله تعالى في آخر سورة العلق (وَاسْجُدْ وَاقْتَرِب). وفي البيت الثاني (المدائن) (وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ) من سورة الاعراف. وفي البيت الثالث (لما استصرخ الجراحُ واشتد الخطر)، من سورة القصص (فَإِذَا الَّذِي اسْتَنصَرَهُ بِالأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ). وفي البيت الرابع (فهَب جندُ اللهِ)، من سورة يس (وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِن جُندٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ).
وفي البيت الخامس (نصراً سترويه السير)، من سورة البقرة لقوله تعالى (حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلاَ إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ). وفي البيت السادس (قبل انبلاج الفجر) من سورة الإسراء (وَقُرْءَانَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْءَانَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا). وفي البيت السابع يصف صواريخ غزة (وكأنها شهبٌ تخر) لقوله تعالى في سورة الجن (وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا). وفي البيت الثامن (ومضيت باسم الله) لقوله تعالى في سورة هود (وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرِيهَا وَمُرْسَاهَا).
أضف إلى ذلك اقتباسات الشاعر من سورة القمر: يولون الدبر، الجراد المنتشر، أعجاز نخل منقعر، في يوم نحس مستمر، كذاب أشر، فكل هذه واضحة. كذلك لا تبقي ولا تذر، من سورة المدثر. ومن سورة القيامة: أدهى وامر، كلا لا وزر، وأين المفر. أما سأصليه سقر فمن سورة الاحقاف، ومن كل فج، وفراراً، فمن سورة الحج (لو اطلعت عليهم لوليت منهم فراراً). كما ورد في الأبيات الاخرى من القصيدة مثل: كلمح بالبصر، فما تغني النذر، أدهى وأمر، من كل فج نعتمر، أُزدجر، كيوم ثمود. فكل هذة تتفق وتتناص مع الآيات الكريمة بوضوح شديد طبعا.
ويبدو أنه من غير المسبوق أن يرد في قصيدة واحدة مثل هذا العدد الكبير من الاقتباسات القرآنية، كما ورد في قصيدته التالية (سيف القدس):
إسجد لربك وإقترب شكراً فأنت المنتصر
راياتُك الغراءُ تخفق في المدائنِ والمَدر
لبيتَ لما إستصرخَ (الجراحُ) واشتد الخطر
واغزتاه فهبَ جندً اللهِ في لمحِ البصر
فكتبت ملحمةَ الفدا نصراً سترويه السير
قبل إنبلاجِ الفجرِ أطلقت الصواعقَ تنهمر
فإذا السماءُ تسعرت وكأنها شهبٌ تخر
ومضيتَ بسمِ اللهِ حيث تشاءُ شاء لك القدر
اللهُ اكبرُ أذّن الأقصى فكان لك الظفر
اليومَ ينجزُ وعدهَ القسامُ هذا يومُ ثأر
هذي الصواريخُ التي انطلقت هنالك تنفجر
في عسقلان وتل ابيب فمن جهنمَ تستعر
تتجرعُ الذعرَ المريع وفي الملاجيء تحتضر
أنذرتهم فأبوا وما اعتبروا فما تغنِ النذر
زحفوا إليك جحافلا زحف الجراد المنتشر
رُدوا على أعقابهم شعثاً يولون الدبر
فهتكت سترَ خرافةَ الجيشِ الذي لا يندحر
يا أيها المحتل ويلك أيها الرعديد صبرْ
فلكم كيومِ ثمودَ أو هو منه أدهى وأمر
يوم تراع له الجحافلُ والكتائبُ تقشعر
ويل لكم من غضبةِ القسامِ كلا لا وزرْ
عربيةٌ الصهلات لا تُبقي هناك ولا تذر
تباً لكم فتربصوا الاخرى ستصليكم سقر
في يومِ يغدوا جمعُكم أعجازَ نخلٍ منقعر
القدسُ سلت سيفَها الماضي الذي لا ينكسر
ولقد شهدتم بأسها في يومِ نحسٍ مستمر
فلتخرجوا من قدسِنا من أرضنا من كل شبر
الماءُ لي والأرضُ لي والافقُ أنىّ طارَ طير
أتون يا أقصى أجل من كلِ فجٍ نعتمر
في كل منعطفٍ أهازيجٌ وأفراحٌ وبِشر
أتون نستبقُ الخطى عذراً فقد طالَ السفر
قل للمفاوضِ كفَ ويحك لا أبا لك وإزدجر
لا زلت تقترفُ النفاقَ وبالقضيةِ تتجر
السلمُ لا يشتارُ إلا من نجيع منهمر
يا عارُ أوسلو والخيانةُ هل ترى منها مفر
إن تستطع منها فراراً أين يا هذا تفر
يا ما أذقتَ الشعبَ من ذلٍ ومن غدرٍ وقهر
فغدأً سيأتيك الحسابُ إذاً فماذا تنتظر
لا تدعي طهرَ الخطى بل أنت كذابٌ اشر
سقط القناع عن الوجوه فستسقطون على الأثر