هناك دلائل عديدة على أن نقص المال ليس مشكلة، وأن وجوده لا يحل مشكلة أيضًا، ففي التعليم مثلًا لم تنجح أنظمة الوفرة في تحقيق تعلم جيد، وخلص الباحثون إلى أن طريقة الإنفاق أكثر أهمية من كمية الانفاق. خطر ببالي ذلك وأنا أدخل مركز السكري!
حين تدخل هذا المركز تشعر أنك غادرت مطارًا أردنيّا باتجاه مكان راقٍ: أناقة، ونظافة، هذه بديهيات في مؤسسة صحية.
لكن ما يلفت الانتباه أنك ترى الانسيابية الناتجة عن انضباط، فالمعاملات بغاية الدقة، وخلافًا لما هو في الذهن: لا تزاحم في مكان، بيئة نظيفة جدًّا، ولا ترى توترًا بل ارتياحٌ لدى جميع المرضى، فالكل مطمئن على انسيابية العمل، وإنسانية التعامل، لا تسمع صوتًا، ولا خناقات، فالكل ينظر بهدوء، وربما متعة!!
ما يهمني، ليس الأناقة والانضباط بل ما وراء هذه الأناقة ومن وراءها.
ما وراءها إدارة علمية إنسانية وسلوك إداري مخلص، جاد، وقيم عمل قلّ نظيرها في الأردن، ربما في ترخيص السيارات.
أما من وراءها، فهو الدكتور النادر كامل العجلوني، المؤمن جدًّا بالعمل، بل إداري إتقاني، لا يقبل أي درجة من الخلل مع فريق من الأطباء والطبيبات، والممرضات والممرضين الذين يعرفون ما هو مطلوب منهم، ربما ذكرني الدكتور كامل بالدكتور الواثق عزمي محافظة، والدكتور الإنسان نذير عبيدات، والدكتور الشهم إسلام مساد، حيث المهارة والدقة والاستجابة الإنسانية للحدث.
وربما كانت هناك نماذج أخرى لا أعرفها، ولكن هذه الأسماء وفي مقدمتها د. كامل العجلوني تشعرك بالثقة بالوطن، وتقدم لك فكرة مفادها يمكن في الأردن أن تشعر بوجود أمل.
وببساطة، فإن هذه المقالة لا تهدف إلى ذكر أسماء (مع أن من حق أصحاب الإنجاز أن يُذكروا)، لكن ما أريده هو إثبات أن ما ينقص الأردن ليس المال والإمكانات، بل الأخلاق المهنية المتمثلة بالمعرفة والحب والذوق، وحق المواطن وواجب المسؤول. فماذا لو كان الأردن قد أفرج عن مبدعيه ومخلصيه، وأعطى لهم الفرصة التي يوفرها بسخاء للمنافقين والانتهازيين؟؟
ملاحظة:
أعود لمقولة الروابدة: (ما ينقص الأردن إدارة ونظام إداري)، وأُضيف: والنزاهة في اختيار الإدارات.