صادقت حكومة الإحتلال الإسرائيلي يوم أمس على تعيين سفير جديد للكيان الصهيوني في عمّان، وهو السفير التاسع للكيان منذ سريان العلاقات الديبلوماسية بين الأردن وإسرائيل في أعقاب توقيع اتفاقية وادي عربة.
وكانت اينات كلاين أول سيدة تعمل كسفيرة لإسرائيل في دولة عربية عندما تم تعيينها سفيرة في الأردن، في العام ١٩٩٤، حيث إستمرت في موقعها حتى العام ١٩٩٧ عندما حل محلها عوديد عيران، وهو هو دبلوماسي إسرائيلي سابق، ترأس فيما بعد فريق التفاوض مع الفلسطينيين في عام ١٩٩٩ - ٢٠٠٠، ليأتي من بعده ديفيد دادون ٢٠٠٠ - ٢٠٠٣، وهو السفير الوحيد الذي طلب من حكومة الإحتلال إنهاء خدماته كسفير لها في عمّان.
في أعقاب ما تعرض له من مضايقات شعبية أجبرته على طلب اعفاؤه من منصبه، ليأتي بعده خمسة سفراء هم ياكوف هاداس هاندلسمان، جاكوب روزين، ودانيال نيفو، واينات شلين، وهي السفيرة التي أثير حولها الكثير من الجدل في أعقاب مقتل أردنيين إثنين في حادثة من أكثر الحوادث، التي وقعت بين البلدين، خطورة منذ توقيعهما معاهدة للسلام في ١٩٩٤، وأغلقت السفارة على أثره، ورفض الأردن عودتها إلى عمان، وأخيراً السفير الحالي أمير فايسبرود، الذي شغل منصب رئيس شعبة الشرق الأوسط في مركز للدراسات السياسية، وسبق أن عمل في الماضي في الأردن والمغرب.
امس صادقت حكومة الاحتلال الأحد، على تعيين إيتان سوركيس سفيراً جديداً في الأردن خلفا للسفير أمير فايسبرود.
وكان سوركيس يعمل سابقا مبعوثا خاصا للمياه في قسم الشرق الأوسط وكان قنصلا عاما في ريو دي جانيرو ونائبا للسفير في عدة دول هي الأردن والبرازيل والبيرو.
ومع قدوم سوركيس إلى عمان يبدو أن الدبلوماسية التي تتطلب أقصى قدر ممكن من الكياسة والحوار واللباقة وحسن الاستماع للآخر وتقدير مصالحه، هي مزيج من أجهزة الاستخبارات، وبخاصة الموساد الإسرائيلي، والتي اشتهرت وعرفت على مستوى العالم، بالاغتيالات، وانتهاك سيادة الدول، واستخدام جوازات السفر الأجنبية في تنفيذ سلسلة الأعمال المروّعة والمخالفة لكل القوانين الدولية والوطنية.
وطوال العقود الماضية من عمر دولة الإحتلال ظل جهاز الموساد محاطا بسرية مطلقة، حتى أن اسم رئيس جهاز ظل سريا وغير معروف إلا على نطاق ضيق جدا، وبقي هذا الأمر ساري المفعول حتى نهاية الألفية الثانية، وعرف الجهاز بعلاقاته القوية، واختراقاته لقوى إقليمية مجاورة للدول العربية أو على خلافات جدية معها، وسعيه الحثيث لتسعير هذه الخلافات بشكل مباشر أو عبر سفراءه، وكثيرة هي الدراسات والشهادات، والاعترافات، التي تؤكد ضلوع الموساد والأجهزة الاستخبارية الإسرائيلية بشكل عام في افتعال أحداث وقلاقل وحتى القيام بأعمال تفجيرية وتخريبية، وذلك عبر هؤلاء السفراء الذين يعدوا أبرز ضباط الموساد الإسرائيلي.
ولكن يبقى السؤال الشائك قائما، لماذا الموساد، وليس الأذرع المدنية المختلفة، هي التي تتابع هذه السياسة الخارجية لدولة الإحتلال الإسرائيلي، خاصة وأن تولّي هذه المسؤوليات وتمثيل دولة إسرائيل بشأنها، لا يمكن أن يكون بناء على رغبات ذاتية لهذا أو ذاك من المسؤولين، بل هي تأتي بناء على تكليف مباشر من رئيس الحكومة، ولا يعد دور وزارة الخارجية أكثر من دور ثانوي بحت.
عموماً شهدت السنوات الأخيرة تأزّماً غير مسبوق على صعيد العلاقات الأردنية الإسرائيلية، حتى بدت هذه العلاقات المتأزمة كأنها مرتبطةبرئيس الحكومة الإسرائيلية السابق بنيامين نتنياهو، الذي عمد إلى تأزيم هذه العلاقات منذ حكومته الأولى في العام ١٩٩٦، عندما حاول الموساد اغتيال القيادي في حركة «حماس» خالد مشعل، في العاصمة الأردنية عمّان، ولكن أُحبطت العملية، وهدّد الملك الراحل حسين بإلغاء معاهدة السلام، فتدخّل الرئيس الأميركي آنذاك بيل كلينتون، لإنهاء الأزمة، وأطلق الأردن سراح عميلي الموساد مقابل إطلاق أسرى فلسطينيين.
ويبدو أن هذه العلاقات ستبقى على حالها مع مجيء إدارة جو بايدن. فقبل أيام لم يستجب نتنياهو للطلب الأردني بتزويده بحصص مائية وفقاً لاتفاقية «وادي عربة» التي تعهّدت خلالها تل أبيب بضخ المياه من بحيرة طبريا إلى نهر الأردن. كما منع الأردن، مطلع شهر آذار، عبور طائرة نتنياهو نحو أبوظبي، ما تسبّب في إلغاء الرحلة.
عوديد عيران، الباحث في «معهد دراسات الأمن القومي»، وهو سفير سابق لإسرائيل في عمّان اعاد تردّي العلاقات الأردنية الإسرائيلية إلى «صفقة القرن» وما أفرزته من إشكاليات تُقصي دور الأردن ومكانته في المنطقة، إذ جعلت هذه الصفقة العائلة الملكية الأردنية قلقة على مستقبل وصايتها على المقدسات الإسلامية في مدينة القدس، وخاصة أن تكهّنات سادت حول مساعي ترامب لإسناد دور الوصاية على المسجد الأقصى للعائلة الملكية السعودية لدفعها نحو تطبيع علاقاتها مع إسرائيل. كما تكرّس «صفقة القرن» السماح لليهود بالتعبّد في الحرم القدسي، وهو ما يثير حفيظة العائلة الملكية الأردنية، إضافة إلى ذلك، فإن الصفقة أشارت إلى مشروع كونفدرالية محتمل بين الأردن والضفة الغربية بوصفه «وطناً بديلاً للفلسطينيين».