اسماه هنري كيسنجر «منطقة تفريغ الصواعق»، وقرر وقتها أي في بداية السبعينيات من القرن الماضي أن تندلع فيه حرب أهلية تكون المنظمات الفلسطينية طرفاً أساسياً فيها من أجل «تفجير الإقليم العربي وإضعافه بالدرجة الأساس وبهدف تشتيت «العرب» ولفت انتباههم عما كان يخطط له على الجبهة المصرية وأقصد هنا البدء بشروعه في تنفيذ «سياسية الخطوة خطوة» لاستدراج الرئيس السادات لاتفاق سلام منفرد مع إسرائيل بعد حرب اكتوبر عام 1973، فقد كان «الثعلب الأميركي» يريد إخراج مصر من الصراع وفي ذات الوقت تفجير حرب في لبنان تلامس نيرانها الدول العربية الاخرى وتحديداً سوريا والعراق وإلى حد كبير السعودية، وهو ما تم بالفعل، حيث تفجرت الحرب اللبنانية في الثالث عشر من إبريل من عام 1975 بعد محاولة اغتيال بيير جميل، ووقع السادات اتفاق سلام مع إسرائيل في سبتمبر من عام 1978، فيما وصلت الحرب في لبنان ذروتها في صيف عام 1982 عندما اجتاحت القوات الإسرائيلية لبنان واحُتلت بيروت واخرجت القوة الرئيسية الفلسطينية من لبنان، وعملياً ومنذ ذلك التاريخ إلى يومنا هذا لم يتعاف هذا البلد الذي كان يوصف بأنه باريس الشرق.
كان المتغير الأساسي والدراماتيكي بالإضافة للسلام المصري الإسرائيلي في المشهد العام للمنطقة في تلك الحقبة هو سقوط الشاه ومجيء نظام الخميني عام 1979 وهو المتغير الذي سرعان ما انعكس بكل المقاييس على لبنان تحت عنوان جديد اسمه «حزب الله » والذي استطيع وصفه بأنه أصبح «ام المشاكل» التي أوصلت هذه الدولة إلى مرحلة العجز والكساح شبه الكامل.
بعد اغتيال الشهيد رفيق الحريري الذي أنجز أول تفاهم بشأن لبنان عبر «اتفاق الطائف» والذي بالكاد نجح في إنقاذ ما تبقى من لبنان، عاد هذا البلد إلى المربع الأول الذي يدخل بكل المقاييس في استراتيجية جديدة لا تتناقض إطلاقاً مع استراتيجية كيسنجر ألا وهي «اغتيال دولة» بعد اتمام مرحلة تفجير الصواعق فيها على مدى ما يقارب خمسة عقود متواصلة من «الأزمات».
بكل الحزن يمكن القول أن لبنان اليوم هو في اسوأ مرحلة مر بها منذ بدء «مخطط كيسنجر» في بداية السبعينيات، فقائمة مشاكله لا تبدأ من انهيار «الليرة» ولا جوع الناس وفقدان الأمل ولا فقدان البنزين في المحطات ولا تراكم «الزبالة» كجبال في معظم مناطقه، ولا بغياب النور والكهرباء وكل الخدمات، بل الأخطر في الحالة اللبنانية هو تحول الطبقة السياسية الحاكمة إلى قيد على الحرية، وإنتاج نفسها كقوة «مستبدة» في وطن يموت ببطء بسببها وتموت معه الحرية التي اشتهر بها.
واقعة الشابة التي وجهت شتيمة لجبران باسيل عندما رأته الأسبوع الماضي خارجاً من أحد المطاعم في منطقة «البترون» وما تعرضت له بعدها من ضرب وإهانة هي مؤشر خطير على حالة بلد وصل فيه الاحتقان حد الانفجار ولربما حد العودة للعام 1975..
والسؤال هل كيسنجر مازال يخطط؟!
Rajatalab5@gmail.com
الرأي