البرنامج الوطني "تكيف" لدعم العودة الآمنة للمدارس
فيصل تايه
20-06-2021 10:23 AM
مع بدء اتخاذ الحكومة قرار تخفيف القيود التي فرضت بأمر جائحة كورونا ، وإقرار العودة للمدارس ضمن "المرحلة الثالثة" من خططها في فتح كافة القطاعات ، بدأت وزارة التربية والتعليم تسابق الزمن لتوفير شروط الحماية لكافة المتداخلين في العملية التعليمية من معلمين واداريين وطلبة وذويهم من اي أثر متوقع لفيروس كورونا ، فهناك استنفار تربوي هذه الايام في وقت مبكر قبل موعد بدء العام الدراسي القادم لإثبات سلامة قرار العودة ، فقد دخلت الوزارة في معركة الوقاية والتحصين من وباء "كورونا" على جبهة الأستاذة والمعلمين والإداريين بالمدارس ، إذ لم يتبق سوى اشهر قليلة تعد بالأسابيع على عودة الدراسة ، ويجب خلال هذه الفترة توفير كافة الشروط للتأكد من حماية كافة العاملين في المدارس من خطر انتقال العدوى .
العودة الى المدارس قد تكون محفوفة بالمخاطر حيث يستعد الطلبة والمعلمون للحياة التعليمية الطبيعية وللقاء وجهًا لوجه من جديد ذلك لأهمية عودة التفاعل الوجاهي بين الطالب والمعلم الذي له دور كبير في صقل شخصية الطالب وتطوير قدراته ومعارفه ، لكنها وفي ظل الاستعدادات والالتزام بالاشتراطات الصحية ستبقى آمنة ، اذ ومن الضرورة بمكان عودة الطلاب إلى مدارسهم خلال الفترة المقبلة ، لكننا لا ننكر أنّ لهذا العودة خصوصيتها فعلى الرغم من أهمية التعليم عن بعد والذي كان المنقذ للطلبة من توقف تعليمهم على مدى عام ونصف العام بسبب الجائحة ، والذي رافقة الكثير من التحولات في فضاء التعليم والتعلم واختلفت فيه الأولويات ، فإن التعليم التقليدي الحضوري يعد السند الحقيقي للطلبة والأفضل من حيث التحصيل العلمي ، حيث يحتاج بعد طول انقطاع لمنهجيات جديدة تدعم الطلبة في الانتقال إلى سنة دراسية جديدة ، وفي الوقت نفسه نحتاج لبرامج دعم للمعلمين في إدارة هذا الانتقال وتعزيز مشاعر الأمان وتخفيف حالة القلق التي تصاحب العودة، فحين اختلفت الأولويات صار لزاما تعديل وتطوير الخطط المدرسية بحيث تصبح خطط الدعم النفس للانتقال على رأس الأولويات.
ان ما فرضته جائحة كورونا وتداعياتها من غيبة قسرية على الطلبة عن مدارسهم وخاصة على بيئاتهم الصفية ، تسببت في العديد من الاثار النفسية والسلوكية لديهم ، ما استدعى العمل على ايجاد برامج مكثفة خاصة بالدعم النفسي والاجتماعي ، وتهيئة الطلبة لما هو قادم ، فالعامل النفسي يحظى بأهمية كبيرة جدا لتأهيل الطلبة وتوفير بيئة نفسية جاذبة لهم ، ما يطرح مهمة عاجلة على عاتق وزارة التربية والتعليم تستوجب المواءمة الدقيقة بين الاحتياجات التعليمية والاجتماعية والعاطفية لما يزيد على مليوني طالب وطالبة في مدارس المملكة ، الى جانب مراعاة الشروط الصحية لسلامتهم وسلامة معلميهم وكافة المتداخلين في العملية التعليمية ، من خلال دليل إجرائي واضح ينظم عودة الطلبة لمدارسهم ويعيد تنظيم شكل العام الدراسي في ضوء جميع الاعتبارات.
ان الدعم النفس اجتماعي يعدّ أساسًا مهماً في هذه المرحلة ، بعد كل هذا الانقطاع عن جو المدرسة الحضوري للطلبة ما يشكل عبئًا نفسيًّا عليهم على اختلاف أعمارهم ، حيث سيتوجه الطلبة إلى مدارسهم وهم على الأرجح يحدوهم القلق والخوف ، وهم بحاجة إلى بعض التأكيد من المحيط ، بأن العودة للمدارس أمرٌ غير مقلق ، فما يحتاجه الطلبة ليشعروا بالأمان هو أن نشاركهم البروتكولات المعمول بها لحمايتهم ، وتشجيعهم على عرض أفكارهم حول تجنب المخاطر المصاحبة، ومدى شعورهم بالرضا حول العودة إلى المدرسة في ضوء الإجراءات لحمايتهم فعلينا في هذه المرحلة أن نشجّع ونعزّز لديهم مهارات التفكير الواقعي والتوصل إلى حلول لمخاوفهم الخاصة .
وزارة التربية والتعليم تمتلك من الخبرات والحلول ما يمكنها من مواجهة تحديات العودة ، فهي تقوم الان على اعداد برنامج الدعم النفس الاجتماعي "تكيّف"وهو برنامج تأهيليّ للطلبة يعيد إلى أذهانهم قيم المدرسة وقوانينها ومتطلباتها ، وكيفية ردم الفجوة الناتجة في مجال التعليم عن بعد ، كما وبدأت بالإعداد لتنفيذ عده برامج تنشيطية وتحفيزية قبل بدء العام الدراسي تستهدف من خلالها المعلم ، ذلك لتعزيز الشخصية التربوية وتنشيطها للقيام بدورها في البناء النفسي والاجتماعي للطلبة ، مع ضرورة التركيز على الإرشاد النفسي والمدرسي في إكساب الطلبة المهارات الدراسية وتوجيههم لسرعة الاندماج من جديد في البيئة الصفية ومع اقرانهم، وبناء العلاقة الايجابية مع الطلبة.
برنامج "تكيّف" الذي ستطلقه الوزارة مطلع شهر تموز المقبل في إطار استعداداتها لتحقيق العودة للتعليم الوجاهي ، والذي يأتي بالتوازي مع البرنامج التعويضي "النتاجات الأساسية" الذي يعالج الفاقد التعليمي لدى الطلبة ، يأتي لتحسين الرفاه النفسي الاجتماعي لدى جميع أفراد المجتمع المدرسي بهدف الوصول بهم الى حالة الشعور بالسعادة والرضا والقدرة على إدارة مهام الحياة اليومية من خلال تلبية الاحتياجات الأساسية والجسدية والعاطفية والاجتماعية لتخفيف الآثار النفسية والاجتماعية المترتبة على جائحة كورونا ، اضافة لتعزيز المتانة والمنعة النفسية لدى الطلبة والعاملين في المدرسة وإكسابهم مهارات الحياة والمرونة الشخصية، وتوفير الدعم اللازم للاسرة والمجتمع لعلاج التحديات النفسية والاجتماعية، كذلك تعزيز مشاركة أولياء الامور في تجاوز التحديات النفسية والاجتماعية التي تواجه ابنائهم والعمل على حلها ، ما يتطلب وجود حملة تضمن عودة آمنة لأفراد المجتمع المدرسي بالتعاون مع العديد من الشركاء المحليين والدوليين ، ذلك لتوفير الدعم النفس الاجتماعي في مدارس المملكة كافة ، إضافة إلى أنها ستكون إطاراً مهماً في مجال الاستعداد لحالات الطوارئ أو الأزمات والاستجابة لها بشكل فاعل ، حيث يشمل ذلك على دليل الدعم النفسي والاجتماعي ، والذي يدعو إلى تنظيم أنشطة تعليمية وترفيهية وفنية ورياضية ليتسنى للطلبة تفريغ انفعالاتهم المختلفة ، ذلك لوفع مستوى الاستعداد للتكيف والمقاومة النفسية ، فالبرنامج سيتضمن مجموعة من المواقف التي سيقوم بها المرشد و المعلم و ولي الأمر و الطالب من أجل تحقيق متطلبات عودة آمنة و صحية للمدارس ، كما ويتضمن نشر فيديوهات توعوية و بروشورات توعوية تحث الطلبة على العودة للمدارس في العام الدراسي القادم وذلك على منصات الوزارة و مواقع التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى وسائل الإعلام المرئية و المسموعة.
برنامج " تكيف" سيؤكد على دور الإرشاد المدرسي ويشمل عددا من المحاور التي تقوم على تدريب المعلمين والمرشدين التربويين وسيتضمن أيضًا دورات تدريبية لرؤساء أقسام الإرشاد في الميدان و المرشدين في المدارس ، لتدريبهم على كيفية التعامل مع الطلبة بالابتعاد عن الجانب النظري و إيصال رسائل تتناسب مع الخصائص النمائية للطلبة ، اضافة لمؤشرات احتياج الطلبة للدعم النفسي الاجتماعي ، إضافة إلى إيصال رسائل توعوية لأولياء الأمور وأفراد المجتمع المحلي .
بقي القول انه من المؤكد حاجة الطلاب الي تهيئة نفسية ومعنوية للضرورات الحتمية ، فالاستعداد لاستقبال العام الدراسي الجديد سيكون هذا العام مسؤولية مجتمعية ، لذلك فان فئات المجتمع خلال هذه المرحلة بحاجة للتهيئة ، ليشعر اولياء الامور والابناء والمعلمين بالاطمئنان ، كي تخلق لديهم حالة من الاطمئنان والراحة، ويجعلهم يتقبلون المرحلة القادمة، والعودة للاندماج مرة اخرى بكل همة ومسؤولية ، بعيداً عن القلق والفوضى .